02 May
02May

حديث السبت الحلقة الثانية: الحطيئة

من إعداد الأستاذ بن مزيان بن شرقي

جامعة وهران2

 

الحطيئة

طاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ

بِتيهاءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ رَسما

أَخي جَفوَةٍ فيهِ مِنَ الإِنسِ وَحشَةٌ

يَرى البُؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعمى

وَأَفرَدَ في شِعبٍ عَجُوزاً إِزائَها

ثَلاثَةُ أَشباحٍ تَخالُهُمُ بَهما

رَأى شَبَحاً وَسطَ الظَلامِ فَراعَهُ

فَلَمّا بَدا ضَيفاً تَسَوَّرَ وَاِهتَمّا

وَقالَ اِبنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ

أَيا أَبَتِ اِذبَحني وَيَسِّر لَهُ طُعما

وَلا تَعتَذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَرا

يَظُنُّ لَنا مالاً فَيوسِعُنا ذَمّا

فَرَوّى قَليلاً ثُمَّ أَجحَمَ بُرهَةً

وَإِن هُوَ لَم يَذبَح فَتاهُ فَقَد هَمّا

فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ

قَدِ اِنتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظما

عِطاشاً تُريدُ الماءَ فَاِنسابَ نَحوَها

عَلى أَنَّهُ مِنها إِلى دَمِها أَظما

فَأَمهَلَها حَتّى تَرَوَّت عِطاشُها

فَأَرسَلَ فيها مِن كِنانَتِهِ سَهما

فَخَرَّت نَحوصٌ ذاتُ جَحشٍ سَمينَةٌ

قَدِ اِكتَنَزَت لَحماً وَقَد طُبِّقَت شَحما

فَيا بِشرَهُ إِذ جَرَّها نَحوَ قَومِهِ

وَيا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلمَها يَدمى

فَباتَوا كِراماً قَد قَضوا حَقَّ ضَيفِهِم

فَلَم يَغرِموا غُرماً وَقَد غَنِموا غُنما

وَباتَ أَبوهُم مِن بَشاشَتِهِ أَباً

لِضَيفِهِمُ وَالأُمُّ مِن بِشرِها أُمّا

منقول

تذكرني هذه القصيدة، والتي كانت ضمن البرنامج الدراسي شعبة أدب بالثانوي في نهاية السبعينات وبداية الثمانيات من القرن الماضي، بأستاذنا عبد العاطي من جمهورية مصر والذي تعلمنا فعلا على يده كيفية تحليل القصيدة بثانوية تيسمسيلت والذي أفاض في شرحها وكان موضوع إمتحان الثلاثي الأول وأخذ إجابتي نموذجا. لم يكن يعرفني حينها ولم يكن يظن بأني الشخصي المعني بالإجابة لأني كنت أجلس في أخر الصف وقليل المشاركة، وكنت أتقاسم الطاولة مع أصدقاء من المشاغبين فكان حينها الأستاذ في أغلب الأحيان ينبه للجالسين في الصفوف الأولي ومن يومها أنتبه أستاذنا، إن كان مازال حيا أطال الله في عمره وإن توفي نطلب له الرحمة والجنة.

أعود اليوم للحطيئة لا لكي أذكركم بغرض الهجاء الذي أشتهر به شاعرنا بل لهذه القصيدة وللشاعر نفسه بالضبط لكي أبين مسائلتين:

الشيم العربية.

 البعد الجمالي.

أولا: في الشيم العربية:

تلخص الأبيات التالية مفهوم الإقبال بل الإقدام على التضحية وهي صفة راسخة في التكوين النفسي للفرد العربي. تضحية لصيقة بمفهوم التحدي حيث يقول الشاعر:

 وَقالَ اِبنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ

أَيا أَبَتِ اِذبَحني وَيَسِّر لَهُ طُعما

وَلا تَعتَذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَرا

يَظُنُّ لَنا مالاً فَيوسِعُنا ذَمّا

ومن جانب أخر تبين لنا الأبيات السابقة كيف أن الرضا لا يعود للنفس إلا بعدما أن تطمئن النفس من حيث هي كذلك على تأدية الواجب يقول الشاعر:

فَباتَوا كِراماً قَد قَضوا حَقَّ ضَيفِهِم

فَلَم يَغرِموا غُرماً وَقَد غَنِموا غُنما

وَباتَ أَبوهُم مِن بَشاشَتِهِ أَباً

لِضَيفِهِمُ وَالأُمُّ مِن بِشرِها أُمّا.

 والكرم صفة لصيقة بالأسرة كلها بالأب مثل الأم. حسبنا اليوم أن تكون هذه الصفة من الصفات التي ولابد أن نعيد لها الاعتبار ضمن سياقات راهنة منها التضامن الاجتماعي. صحيح أننا لم نعد من الناحية الاجتماعية والاقتصادية كما كان شاعرنا، ولكن مع ذلك يبقي التكوين القاعدي والمعطي الأنثربولوجي أساس بناء الفرد.

 ثانيا: البعد الجمالي: قصيدة الحطيئة يمكن أن نضعها ضمن لوحة فنية يتقاسمها، إما الفنون الزيتية أو المسرح حيث تتشكل من خيمة وشخوص هم: الأب، الأم الأبناء -التركيز على واحد منهم-، الضيف القادم من بعيد، إضافة لسراب يمكن تخيله والناقة.

 تشكل هذه الأدوات زاوية فنية يتوقف الأمر فيها على كيفية الإخراج. ما يهمنا هنا ليس إخراج الصورة في شكل مسرح أو لوحة زيتية فقط بل ما يهمنا هو الإشارة إلى ضرورة دراسة الحس الجمالي في القصيدة العربية وهو في رأيي قد يكون بداية لنا في إعادة فهم الملكة الإستطيقية في تراثنا الشعري.

أقول هذا الكلام ليس من باب الاندفاع الراهن الذي تشحنه ردود الفعل بل من باب المتأمل لما هو ممكن وفي ذلك أعود لهذه الفرضية التي أكد عليها ذات يوم عميد الأدب العربي الأستاذ طه حسين في مقدمة كتابه قادة الفكر.

 "" وفكر معي قليلا في تاريخ اليونان الذي ترجع إليه الحضارة الإنسانية الحديثة والقديمة. وفكر معي قليلا في تاريخ العرب أيضا الذي ترجع إليه الحضارة الإسلامية من بعض الوجوه وعلام كانت تقوم الحياة اليونانية في بداوة اليونان وأول عهدها بالحضارة؟ علام كانت تقوم الحياة العربية في بداوة العرب، وأول عهدهم بالإسلام؟ على الشعر."" منقول

انتهي بن شرقي بن مزيان

إلى السبت القادم في حديث السبت مع شاعر آخر.  

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة