25 Apr
25Apr

حديث السبت- الحلقة الأولى :قصيدة الشاعر الشيخ عبد الحميد ابن باديس شعب الجزائر مسلم

من إعداد الأستاذ بن مزيان بن شرقي

جامعة وهران2


قصيدة الشاعر الشيخ عبد الحميد ابن باديس شعب الجزائر مسلم  

شعب الجزائر مسلم          وإلى العروبة ينتسب

من قال حاد عن أصله       أو قال مات فقد كذب

أو رام إدماجا له              رام المحال من الطلب

يا نشء أنت رجاؤنا         وبك الصباح قد اقترب

خذ للحياة سلاحها        وخض الخطوب ولا تهب

وارفع منار العدل والإحسان واصدم من غصب

واقلع جذور الخائــنيـن         فمنهم كل العطب

وأذق نفوس الظالمين         السم يمزج بالرهب

واهزز نفوس الجامدين         فربما حي الخشب

من كان يبغي ودنا            فعلى الكرامة والرحب

أو كان يبغي ذلنا             فله المهانة والحرب

هذا نظام حياتنا             بالنور خط وباللهب

حتى يعود لقومنا             من مجدهم ما قد ذهب

هذا لكم عهدي به         حتى أوسد في الترب

فإذا هلكت فصيحتي          تحيا الجزائر و العرب

 منقول

أخترت هذه القصيدة لتزامنها مع أربعة مناسبات خلال الأسبوع الممتد من 11 إلى 16 أبريل 2020

أما المناسبة الأولي فتتعلق بالمؤتمر السنوي للجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، والذي كان من المفترض عقده هذه السنة بموضوعه المبرمج سؤال الحرية اليوم في الفترة ما بين 11 لغاية 13 أبريل بوهران، وكنت حسب السيد رئيس الجمعية سأكلف بإلقاء كلمة الافتتاح.

المناسبة الثانية، كان من المفترض عقد المؤتمر الدولي المؤجل من السنة الفارطة حول السلوك الحضاري بالمجلس الإسلامي الأعلى في الفترة ما بين 14 لغاية 16 من شهر أيريل 2020وكنت سأحضره مع إمكان إلقاء محاضرة بعنوان: الخصوصية الثقافية ودورها في بناء السلوك الحضاري: الدلالات والمقاصد

والمناسبة الثالثة كنا في سلسلة أغورا التي ينظمها مخبرنا من المقرر أن نخص البروفسور بوزيان، وهو من بين المدراء الأوائل لجامعة وهران باللقاء الثالث للسلسلة تحت عنوان رجل وتاريخ.

 كل هذه اللقاءات تم تأجيلها نظرا للظروف التي نمر بها جراء وباء كورونا. كنت أفكر خلال هذه المناسبات الثلاثة في أن أجعل من قصيدة الشيخ عبد الحميد بن باديس نقطة محورية من بين نقاط أخري فيما كان من الممكن قوله حسب كل مقام.

أما المناسبة الرابعة، والتي لا أظن بأنها ستؤجل على الأقل إعلاميا هي مناسبة يوم العلم المصادفة لسادس عشر 16 من شهر أبريل والتي اعتدنا في الجزائر أن نحتفي بها لتزامنها مع ذكري وفاة شاعرنا عبد الحميد ابن باديس. لكل هذه الأسباب أخترت لحديث السبت الأول قصيدة شعب الجزائر مسلم.

لا أريد أن أتوقف كثيرا عند قصيدة معروفة جد عندنا في الجزائر بل أنها تعد من رصيد هويتنا ما أريد أن أذكره بالمناسبة يمكن تلخيصه في النقاط الأربعة التالية:

كنت سأستخدم القصيدة في مؤتمر الجمعية للتدليل على علاقة الحرية بفعل التحرر مع ذكر شعراء أخرين كمحمود درويش، ومفدي زكريا ومفكرين كفرنز فانون وفلاسفة كثر. وما كنت سأذكرها في قصيدة الشيخ عبد الحميد ابن باديس ما يلي من أبيات القصيدة

من كان يبغي ودنا     ***       فعلى الكرامة والرحب

أو كان يبغي ذلنا     ***     فله المهانة والحرب

هذا نظام حياتنا    ***     بالنور خط وباللهب

حتى يعود لقومنا     ***    من مجدهم ما قد ذهب

هذا لكم عهدي به     ***      حتى أوسد في الترب

فإذا هلكت فصيحتي     ***     تحيا الجزائر والعرب.

هذه الأبيات تعكس معاني عديدة، ولكن ما أريد التركيز عليه هنا يتعلق بفعل التحرر المرتبط ليس بإرادة الحرب في حد ذاتها بقدر ما هو مرتبط بالظرف الذي يفرض خوضها، وهو ما يفسر أن الحرب في نظر شاعرنا لم تكن هدفا في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة لرفع الهيمنة، وهو ما يمكن أن يجعلنا نربط الحرية في مستوي معين بفعل التحرر. 

   كنت سأستخدم القصيدة لأبين من خلالها معني خصوصية السلوك الحضاري في لونه الشعري وهو ما يتضح في ربط شاعرنا علاقة الود بمنطق الترحيب وهو ما يمكن أن نسميه في سلوك العلاقات الدولية بالهدنة.

من كان يبغي ودنا             فعلى الكرامة والرحب.

كنت سأستخدم القصيدة وشخصية الشاعر نفسه لربط مفهوم التاريخ الشخصي للرجل ومناقبه بمشروع المجتمع. ذلك أن المشروع مهما كان مجاله وهدفه إذ لم يرتبط برجل أصيل من حيث تاريخه فاعل في عمله لا يمكن أن ينجح. ولذلك القيمة الرمزية للأصل مهمة في صناعة شخصية الفرد إذ يعتبر بمثابة المرجعية الضرورية لتصوراته وعلاقاته الاجتماعية. ولذلك حرص الشاعر أن يركز على أن الجزائري مهما كانت ظروف الإستعمار لن يحيد عن أصله بل أنه جزء من شخصيته.

من قال حاد عن أصله       أو قال مات فقد كذب

أما واليوم قد تم تأجيل المناسبات الثلاثة أسمح لنفسي بأن أقف فقط عند بيت لطالما أستوقفني كلما عدت لهذه القصيدة وأعني به:

                     يا نشء أنت رجاؤنا    وبك الصباح قد اقترب

أقارب هذا البيت اليوم من خلال مفردة: النشء وعلاقته بالرجاء والصباح ليس من باب العارف بتقنيات تحليل القصائد فتلك مهمة لا أظن بأني قادر عليها. ولكن من زاوية  أني أحاول بدء من هنا أن أجازف في محاولة أو قل محاولات قادمة لإعادة فهم أغراض الشعر العربي في التصور الذي يمكن أن نقف عليه في فهم الذات le sujet وهو عمل كنت مذ سنوات آمل أن أخصص له وقتا من حياتي العلمية، وها هو الحجر الصحي الذي وجدت نفسي أشارك فيه عائلتي وأمتي بل الكون كله يسمح لي بأن أفكر على مدار ما تبقي من وقت في سلسلة الزمن مع أصدقائي على جداري الأزرق –الفيسبوك- في حديث كل سبت، مع شعراء سأختارهم من مختلف العصور الأدبية لأتناول أغراض الفخر والمدح والهجاء والغزل على أساس أنها كاشفة على إمكانية التفكير بتصورات للانهمام بالذات. فالنشء هو الممكن للمستقبل والرجاء هو التوقع في المستقبل والصباح هو انفراج المستقبل. لذلك فإن سياسيات الدول والمجتمعات تبني من حيث هي الحاضر على توقع المستقبل لا على الانفلات من أزمات الحاضر. المستقبل الحاضر هو اللعبة التي يجب أن ننتبه إليها بدءا من الآن لا لشيء سوي لأن الغد لم يعد تحديده بما يمكن أن يقع بل بما نتوقع من أنه سيقع. بين الممكن والتوقع تلك هي مشكلة القادم من كل صباح.

شكرا لكم وإلى لقاء السبت القادم 

بن شرقي بن مزيان    


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة