أغورا*...تداعيات المختلف وفن الضيافة
بقلم الأستاذ الدكتور مراد قواسمي
فضاءات السياحة الفلسفية، أو حلقات دوران الذات حول قضاياها وطرح الأسئلة الراهنة في عَودٍ لا يبلبث يبدأ، تفكير وتفكّر، تدبير وتأمل، قول وخطاب، جدل ونقاش.
تحت مسمى الـ "أغورا" (Agora) ينسحب عالم الفكر نحو الفضاءات المهجورة، من طلبة، أساتذة، شعراء، أدباء، مفكرين وسفاسطة الحياة، ليبعث الحياة في المدفون ويرفع الجرح عن المغبون ويصرّح بقول كل مجنون: أنا فيلسوف، أنا شاعر، أنا أديب، أنا خطيب، أنا محام الحقيقة وليلتقطني العالم في راهن السقوط. الـ"أغورا" عبث الزمان في قول الحقيقة وانسحاب الضحايا الذين تشتتوا في لعبة القَدَر، كديوجين (Diogène)الحامل منارته في كبد النهار، تحت حرائق الشمس: "أنا أبحث عن الحقيقة".
فضاء الـ"أغورا"، ممكن الدّفاع عن الأنا ومناوشة الآخر، وقوفا في صف الغير باعتبارات الأنا، خوض في قضايا السياسي والعلمي والفلسفي والشعري والنفسي والاجتماعي وحكاية لأقاصيص المدينة في قمم تحضرها، في أغوار أريافها والتداني...باعتبارات تتعدى المفروض والمركزي.
"أغورا" المسرح، التراجيديا، الموسيقى والملاحم...وتعبير الراهن عن ذاته في قول مستقبل الزمان، ورشةٌ لحِدَادَةِ سُفُن الفهم، نِجارَةُ الزّخرَفَة التأملية لأحوال كل الأحوال وهندسة الطرق في التجوال، حفر ما في القبور ومساءلة للجذور بسؤالات الجينيالوجيا، الفينومينولوجيا والهرمينوطيقا، وفك العقد لعديد الخطابات...الديني والشعري والفكري...الأغورا فضاءُ فنِّ تأويلِ الطّلاسمِ، الأغورا، كَشفٌ للغَوْرِ والأَغِوَارْ.
مَنْ يطرق أبواب الـ"أغورا"، لا يأمل في الخلاص، سيعود حاملا على أكتافه هموم الحب وخيبات الوحدة وأثقال الحكمة، فالطارق ليس بتاجرٍ ولا حاكمٍ، الطارق أفقر ما يكون للحكمة، إنه "محب للحكمة"، عاشق للأبدية، فبالعشق نبلغ الخلود.
في الـ"أغورا" تذوب الأسئلة وتعْلَقُ الجوابات بلاغايات، تغدو مجرّد مهاوسات، هواجسَ وانبجاسات ورهفُ النفس في مداعبات الذات. رحابة الـ"أغورا": جلوسا، وقوفا أو حتى مشيا بخطوات حثيثة دعوةٌ للروح على التناغم والانسجام وزرعٌ للمحبة بين الفاعلين خلقاً للتواصلات، رغبةً في العيش معا، تبرعاً بقيم الإنسانية وإجلالا لتواريخ النضال والنسيان قصد الحفاظ على بقاء النوع البشري.
الـ"أغورا" تحفظ الإنسان من الزوال في فرديته والعزلة، لا على سبيل الصراع، بل بنشر المحبة والسلام، خَلقاً للتقاطعات وفتحِ أبوابِ الممكنات. بالـ"أغورا" تحلى الحياة، فلسفيا... الـ"أغورا" فلسفة، لأن في الفلسفة ذلك المتعدد والحربائي الذي يقول ذاته في غير الفلسفة، يقولها في الهامش ضد المركز، على لسان حكماء لم يعرفوا الفلسفة يوما، تستضيفهم الفلسفة باعتبارها أماّ عُرِفت برحابة صدرها ودفء حضنها.
مرحبا بلقاء أحبة الفلسفة شعرا...أدبا... علما...وهامشا، ولو على سبيل التسول في دروب التعدد، في ضيافة السياحة المعرفية شوارعا وأزقة.
---------------------------
* أغورا: هي ساحة دائرية كان المزارعون بأثينا يلتقون بها منذ عام 406 ق.م ولكنها لم تكن حكرا عليهم بل كانت موضع التقاء الفلاسفة أيضا. شكلت الأغورا مركزا إداريا ودينيا وتجاريا في الدولة، بحيث إنها المكان العمومي الذي كانت تتخذ فيه القرارات الأساسيةفي المجتمع الإغريقي القديم. (أنظر: أغورا، ويكيبيديا).
***************************
الهيئة الإدارية : أ.د.دراس شهرزاد، أ.د.عبد اللاوي عبد الله، أ.د.بوساحة عمر، ا.د.بن مزيان بن شرقي
الهيئة العلمية: أ.د.بلحسن مباركة، أ.د.بن عمر يزلي أ.د.بومحراث بلخير،أ.د.العربي ميلود، أ.د.مولفي محمد، أ.د.العايدي عبد الكريم، ، أ.د.سواريت بن عمر، بلعاليا دومة ميلود، د.بريجة شريفة، أ.د.قسول ثابت، د.صاحبي فيصل، د.بن دوخة هشام، د.بلبولة مصطفى، أ.د.مخلوف سيد احمد، أ.د.موسى عبد الله،أ.د.برياح مختار، أ.د.عطار أحمد، أ.د.بودومة عبد القادر...
لجنة الإعلام و التظيم: د.عادل عبد الاله، د.جميل نسيمة، د.الزين عبد الحق،د.بن قدور حورية، الباحث بن شيخ رضوان
المقرر: ا.د.مراد قواسمي