يعتبر اول جوان اليوم العالمي للطفل وهو من اهم المناسبات التي تحتفل بها الاوطان باختلاف لغاتها ودياناتها، والذي يدعو من خلاله الى تمتع الطفل بكامل حقوقه في ظل حياة كريمة خالية من المشاكل والصعوبات، وبهذه المناسبة لا يفوتنا تهنئة جميع اطفالنا متمنيين لهم حياة هنيئة مليئة بالصحة والامان، وعند الحديث عن الصحة نتذكر فئة الاطفال المرضى او الذين يعانون من اي مشكلات نفسية او جسدية تعيقهم على الاستمتاع بحياتهم مثل اقرانهم الاصحاء، وهنا يجدر بنا الاشارة الى الدور الهام الذي تلعبه الاسرة في تربية هؤلاء الأطفال وتنشئتهم و التركيز حول الموضوع الذي يثير الاهتمام اكثر هو تربية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وعلاقتهم بدورة الحياة الاسرية لان هناك بعض الاباء من يرون في المراكز المتخصصة المكان الأمثل لأطفالهم المصابين، وفي بعض الاحيان ينتهي الامر بالتخلي عن الطفل منذ الميلاد ، لتجنب المشاكل المنجرة عن تربيته، وبالتالي تجنب المشاكل التي قد تواجه الاسرة في المستقبل .
الا ان الاخصائيين المعاصرين ينصحون الاباء بتربية اطفالهم ذوي الاحتياجات الخاصة سواء جسديا او ذهنيا في اوساطهم العائلية ، ودفعهم بقوة على المشاركة في النشاطات اليومية، و هذا يعتبر حلا مثاليا لكن الأخذ بعين الاعتبار جوانب القصور و العجز لديهم.
هذه الفئة تحتاج الى رعاية و تربية خاصة للتقليص من حجم الإصابة و تأهيلهم إلى حياة اجتماعية افضل وبما ان الاسرة تعتبر اول خلية اجتماعية بالنسبة للفرد، واول خلية للتربية بالنسبة للطفل فهي اول من يقوم بهذه المهمة .
ومن هذا المنظور فان ردود افعال الوالدين اتجاه اصابة الطفل تختلف من اسرة الى اخرى و كذلك حسب المستوى المعيشي و الوضع الاجتماعي للوالدين وعلاقاتهم الخارجية، فمن المنطقي أن لا يمر كل الآباء والأمهات بنفس مراحل الأزمة وذلك وفقا لإدراك كل منهما للموقف ومن الضروري وجود متخصص في المجال النفسي والاجتماعي ليساعد الأولياء للتصدي لمثل هذه الأزمات والتخفيف من حدتها.
وهذا ما يدفعنا الى التساؤل حول كيفية استجابة اولياء ذوي الاحتياجات الخاصة ازاء اصابة اطفالهم؟ وما هو تأثيرها على الوحدة الاسرية بصفة عامة ؟.
يمثل ميلاد طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأسرة بداية لسلسلة هموم نفسية لا تحتمل، وخلق لمخاوف وشكوك متزايدة للآباء، وبداية لصراعات من وجهات النظر واختلافات في الآراء ، وتبادل للاتهامات، ولوم للذات وللآخرين، وهجران لمباهج الحياة وإماتة للروح وتفريغ لكل معنى في الحياة، وسيطرة لنزاعات التشاؤم والانكسار النفسي، وتحطيم للثقة في الذات، وتعطيل للإرادة وخنق للآمال.
ومع تقدم العمر بالطفل، وتراكم سلبياته ومشاكله وزيادة اليقين بعجزه وتأخره، تبدأ مرحلة الخصام والشقاق بين الشريكين ويهجران التسامح والتواد ويتبادلان إلقاء اللوم على الآخر ويرى كل واحد انه مظلوم ومن هنا تبدا الحكاية.
يصاب الوالدين بصدمة أليمة عندما يبلغهما أن ابنهما من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، فيشعران بالغم والهم والإحباط وتضطرب حياتهما الأسرية وتدور في أذهانهما العديد من الأسئلة والتي قد لا يجدون لها إجابات مقنعة بدون إرشاد الأخصائيين، مما يعمل على خلق جو من التوتر و الضغط النفسي العاطفي و تساهم في إضعاف الروابط و التماسك الاسري خاصة بين الابوين في الكثير من الحالات الاب لا يتحمل ويلجا الى الهروب او الانفصال عن زوجته وقد يسود الاسرة الضيق و مشاعر الكراهية و الياس و الحزن وقد يلجا الاب احيانا الى الإدمان وقد تنتابه ساعات غضب يقوم بالاعتداء على ابنه المصاب او على الاخوة او على الزوجة و تحميلها مسؤولية الوضع.
وقد اختلف علماء النفس في تحديد ردود أفعال الآباء لأزمة التريزوميا 21 مثلا، فبعضهم يرى أن آباءهم يواجهون هذه الأزمة على مراحل تبدأ بالصدمة والانكار والغضب والحزن حتى تصل إلى قبول الأمر الواقع والرضى به، و هناك من يرى أن أمهاتهم يعانين من انفعالات تتسم بالحزن كما لو كان الحزن ناتج عن وفاة، في حين يرفض البعض الآخر فكرة المراحل لعدم انطباقها على حالات كثيرة حيث اشارت دراسات كثيرة من أن الآباء لا يمرون كلهم بهذه المراحل فبعضهم يعيشون حالة حزن دائم وكأن أبناءهم يحتضرون وهناك من يواجه الأمر بصبر وآخرون يقلقون وينزعجون...إلخ.
وهذا يعني أن تأثير أزمة التريزوميا 21 تختلف من أب إلى آخر بحسب إدراك كل منهم للموقف وتفسيره بما أصاب ابنه وإيمانه بقضاء الله وقدره وموقف الاهل والأصدقاء والمجتمع من هذه المصيبة.
ان اصابة الطفل بتريزوميا 21 تنطوي على تحديات و مشكلات متنوعة بالنسبة لأسرته، فهي لا تؤثر على الطفل فحسب و لكنها قد تؤثر على جميع افراد الاسرة خاصة الوالدين ولذلك فان احدى المهام الرئيسية التي يتوقع من العاملين مع هذه الفئة من الاطفال القيام بها هي تلك المرتبطة بدراسة الوضع الاسري بوجه عام وتحديد احتياجات الوالدين بوجه خاص فتنشئة هؤلاء الاطفال تنطوي على تحديات جمة لان الوالدين لا يتحملان المسؤوليات التي يتحملها كل الاباء و الامهات في المجتمع فحسب و لكنهم يواجهون تحديات واعباء اضافية بسبب حالة اطفالهم الخاصة، فهناك العديد من المواقف المحدثة للضغوط النفسية في حياة هاته الاسر وهي تلك التغيرات الحياتية الناجمة عن اصابة اطفالهم بتريزوميا 21 مما يؤثر على نظام الاسرة ووظائفها ولما كان من المؤشرات على الضغوط النفسية، الاكتئاب و الإسهاب الاجتماعي و الحالة الانفعالية للأفراد و المشكلات في العلاقات الزوجية والصراعات السارية ...الخ وعادة ما تقاس هذه الضغوط من خلال قياس مستوى حدوث هذه المؤشرات واما الانماط السلوكية و المعرفية و الادراكية التي توظفها الاسرة بغية التغلب على المواقف المحدثة للضغوط النفسية فهي تسمى استراتيجيات التعايش والتدبر وتشتمل هذه الاستراتيجيات على كل ما من شانه تحقيق التغيرات اللازمة لخفض الضغوط النفسية.
فادراك الضغوط النفسية عموما يتأثر بالمستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الذكاء و المهارات اللفظية و المعنويات و السمات الشخصية و الخبرات الماضية و العمر والمهنة والدخل كذلك فان ادراك الوالدين لأسباب اصابة طفلهم بتريزوميا 21 يؤثر بشكل بالغ على اتجاهاتهما واستجاباتهما له و من اهم الخصائص التي يتضمنها مفهوم البنية العائلية المستوى الاقتصادي و الاجتماعي للأسرة حيث أن الأفراد الذين ينتمون الى الاسر ذات المستوى الاقتصادي و الاجتماعي المتدني يواجهون ضغوطا نفسية اشد من الافراد الذين ينتمون الى الاسر ذات المستوى الاقتصادي والاجتماعي المتوسط او العالي و تعتمد طبيعة استجابات الأسرة لهذه الاصابة على عدد من العوامل اهمها الامكانيات المتوفرة لها و التي من شانها مساعدتها على العيش مع هذه الازمة فعند ما تتوافر الامكانيات الكافية تصبح الاسرة اكثر قدرة على التعايش مع حالة طفلهما المصاب.
حيث ان امكانيات الاسرة المالية تساعدها على التعايش مع الازمة فعندما تتوفر الامكانيات المالية تصبح الاسرة اكثر قدرة على التعايش مع الحالة التي تستنزف الموارد المالية من خلال التكاليف الباهظة للعلاج الطبي او تكاليف اخرى مختلفة، كما يلعب المستوى التعليمي و الثقافي للوالدين دورا أساسيا في تحديد الطرق والاساليب التي يستخدمها الوالدين في تربية ابنائهم من جهة وفي درجة وعيهما للأسباب التي تؤدي إلى مختلف الاصابات وطرق الوقاية من جهة ثانية.
ان تقبل الوالدين لوجود الطفل ذي الاحتياجات الخاصة له تأثير على الإخوة و الاخوات ايضا حيث ان تماسك الوالدين و اظهار الجو النفسي البعيد عن الارهاق والقلق و التوتر و المشاحنات ، يمهد لتقبل هذا الطفل من قبل اخوته ويدفعهم لتحسين علاقتهم به مستقبل، وللإخوة مواقف تختلف من أسرة لأخرى ويلعب سن الإخوة دورا في إدراكهم لإبعاد وجود هذا الطفل وتقبله وكيفية التعامل معه فمنهم من يتضايق و يخجل من وجود هذا الاخ او الاخت ، ومنهم من يتقبل وجود هذا الطفل فيهتم به ويحدث اصدقائه عنه ويسحبه الى دائرته الاجتماعية وهذا بدوره يدعم الوالدين و الطفل نفسيا.
فنمو الطفل من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة يتطلب نوعا من التحكم و الوعي الذين لدى الاباء حيث عليهم حمايته وفي نفس الوقت اعطائه الفرص لتنمية قدراته ، اما محاولة ابعاد كل الصعوبات التي تعترضه فتجعله لا ينمي هذه القدرات ولا يبحث عن الحلول للمشكلات، والمعاملة المجدية معه تتمثل في انتظاره وإعطائه الوقت الذي تطلبه الحاجة منه حيث ان مبادرة الام في قضاء الحاجات تنتزع الطفل من هذه الوضعية التي كان من شانها دفعه نحو محاولة ايجاد الحلول قبل طلب المساعدة.
و عليه يمكن القول ان جميع الاباء يبدون استجابة الحزن والاسى بعد اعلان التشخيص ويشعرون بالصدمة والحزن والالم، وبالتالي وجود طفل من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في وسط الاسرة يمثل في الاساس تحديا لقدرات الوالدين قبل ان يكون مشكلة للطفل في حد ذاته.
وفي الختام هناك بعض الاقتراحات من اولياء بعض الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة نحاول ايصالها للمعنيين بالأمر وهذا اقل ما نستطيع تقديمه لهم احتفالا باليوم العالمي للطفل:
ملاحظة هامة: كل هذه الانشغالات حقيقية ومنقولة بكل امانة عن اصحابها.
اما اقتراحنا نحن بالإضافة الى كل ما سبق ذكره وهو توظيف الاخصائيين في علم النفس المدرسي اصبح ضرورة ملحة في ظل التدهور الملحوظ على مستوى معظم مؤسساتنا التعليمية وان لم نقل كلها، فالمرافقة النفسية والبيداغوجية والاجتماعية دورها الاساسي التوعية والوقاية قبل الوقوع في اي مشكلات او صعوبات نحن في غنا عنها.
بهذه المناسبة: أغنية بصوت غيلاس (أحد أطفال التريزوميا 21)