مثلما أعلنته يوم السبت 30 ماي بأني سأخص الطفل بحلقات تنشر كل ثاني إثنين من كل شهر تتناول أسئلة يطرحها الأطفال، أبنائي، أحاول من خلال حديثي معهم أن أقف على طبيعة التصور الذي يمكن أن يحمله سؤال الطفل في بساطته، والغرض من ذلك الوقوف على سعة الخيال عنده. أخترت أبنائي والأسئلة التي يطرحها علي في كل مرة واحد منهم لأنكم تعرفون بأن الطفل، وفي سن معين يُكثر من الأسئلة ومن واجبنا أن نفسر له. والسؤال الذي تردد علي منذ شهر وياسر محمد ( الصورة) يطرحه بإلحاح حينما يشاهد على شاشة التلفزيون صورة إشهار لعلبة الطونة ( لا أذكر المركة ) لعلكم كلكم شاهدتم هذه الصورة الإشهارية، والتي تمثل طفل يدخل قاع البحر سابحا للبحث عن صندوق ليكتشف على ظهر القارب مع عائلته ثلاثة علب من الطونة.
السؤال: بابا ( أبي) متي سأذهب للبحث عن الكنز؟ بابا (أبي) أرجوك شريللي ( إشتري لي) لباس غطاس ( هذيك لي ديروها في الأنف واللباس الأسود) يقصد بدلة الغطس
الجواب: لماذا ( علاش)
الجواب: نروح ( أذهب) للبحر ( كيما هذاك) مثل ذلك الطفل للبحث عن الكنز.
فسألت نفسي ثم حدثته:
السؤال: ما هو الكنز في تصوره؟ وما هي مخاطر صور مثل هذه إذا ما بقيت عالقة في ذهنه؟
وعليه حدتثه قائلا:
إن ما تشاهده هو صورة، صورة الغرض منها أن تبين لك جودة المنتوج واشترت له علبة الطونة لكي أقرب له الصورة التي أريد أن تمتثل في ذهنه. ولكني شهدته بأنه لم يقتنع فقلت في نفسي يجب أن أعود له من حيث تصوره للكنز.
لعبة الكنز تحمل، في رأيي، في مضامينها على الأقل معاني منها السر أو الرغبة في اكتشاف المجهول .
وهو ما أريد أن أقف عليه لكي أقف على فكرة بأن الطفل يحمل من حيث أنه كذلك قوة ذهنية لاكتشاف المجهول حتى أننا حينما نريد إستعمال بعض الصور المجهولة لدفعه للنوم فإنه بمجرد أن يكبر ينقلب الأمر ليبدأ هو بإستعمال نفس المفردة مع إخوته. الغريب في الأمر أن هذه القوة، الرغبة في إكتشاف الأسرار، لم ننتبه إليها لدي أطفالنا وإن إنتبهنا إليها لم نعطيها القدر الكافي من الاهتمام في البرامج الموجهة للطفل. يظهر ذلك جليا في عدم فهمنا الجيد لمعني الرسوب في التعليم. لعلكم صادفتم في حياتكم الكثير من الأصدقاء ممن كانوا يدرسون معكم ووجهوا بحكم برنامج تعليمي للحياة العامة، الطرد من المدرسة، ونجحوا في مهن وحرف أخري تدير عليهم اليوم الكثير من الربح المادي. إن الرغبة في إكتشاف الأسرار إن لم أجانب الصواب هي نواة الإبداع ماذا كان أن يكون مصير العلوم التطبيقية إن لم يكن وراء ذلك علماء أرادوا أن يكتشفوا الأسرار، أسرار الكون؟ ولذلك فإن التوجيه، التوجيه في التعليم يجب أن ينتبه إلى هذه الملكة التي غالبا ما نتعافلها في مسألة التقويم. فإذا نجح غيرنا ممن لم يكملوا دراستهم فذلك لا يعود لما نسيمه اليوم في لغتنا اليومية بالقفازة بل لأن هذا الشخص كان يمتلك من القوة الذهنية التي لا تتلائم والبرنامج الموجه له ولذلك فإن الحرص على مسألة الحرية في التعليم ودعمها سيكسبنا الكثير من الفوائد في مشاكل يبدو أننا لم نفهم خصوصيتها.
أما مخاطر الصورة الإشهارية هي أنها قد تدفع الطفل للمغامرة المجهولة العواقب حيث تنشأ لديه رغبة جامحة في أخذ المبادرة وهو في سن لا تسمح له، ولعل في لعبة الفيديو، الحوت الأزرق، التي سجلت نسب من الانتحار في السنوات الماضية ما يفسر تخوفي.
لذا فإن دلالة الصورة عند المتلقي، الطفل، يجب أن تدرس بكيفية دقيقة حينما يتعلق الأمر بتوظيف الأطفال في الصور الإشهارية حتى نعرف الأهداف التربوية والتكوينية لشخصية الطفل بعيد عن الفائدة الإستهلاكية.
وهذا ما هو إلا إجتهاد للمساهمة في ترقية البني الذهنية عند أطفالنا فشكرا لأبني الذي دفعني للحديث عن مفعول الرغبة في إكتشاف الأسرار.
بن شرقي بن مزبان