02 Jun
02Jun

    الطفل و الفلسفة أو الروح السقراطية المبكرة


بن زينب شريف، أستاذ فلسفة، جامعة المدية

مخبر الأنساق،البنيات، النماذج والممارسات (جامعة وهران2)

  

  إن الفلسفة التي تفر منها، و تبغضها، فإنها تسكن بيتك وتلاعبها وهي في حضنك، أو قد تصادفها في المدرسة، و حتى في الشارع، إنه ذلك الطفل الذي أفرد له يوما كعيد يحتفل به من كل سنة، الفاتح من جوان. الطفل الفيلسوف أو لنقل الطفل المتفلسف. الطفل الذي يزعجنا بأسئلته الأخلاقية و الوجودية كل يوم، من أين أتيت؟ وكيف جئت؟ ولماذا أنا على هذا الشكل؟ كثير من هذه الأسئلة في صميمها بعد فلسفي، فهو بحق خزان لا ينضب من الأسئلة المقلقة و حتى المحرجة لنا. يولد الطفل بأهم ميزة فلسفية " الدهشة و التساؤل "، ونحن بمرور الزمن نقولبه حسب تفكيرنا ورؤيتنا. فعند عجزنا عن الإجابة نقوم بزجره  وتوبيخه بحجة أنها أسئلة أكبر من سنه أو لا طائل منها، أو لا تتوافق وتربيتنا الأخلاقية و مع أعرافنا، وفي حقيقة الأمر فنحن نقوم بوأد ذلك الفيلسوف في داخله لنتستر على عجزنا وقصورنا في الاجابة عن تلك الأسئلة المقلقة، وفي العادة ما يكون للأطفال نوع من العبقرية التي تضيع عندما يصبحون كبارا حسب تعبير ياسبرز. فالطفل بأسئلته هذه حتما لا ينتج معرفة، ولكن قد يزعزع يقينياتنا، ويضع معارفنا تحت المساءلة. فكما لا يمكن التكهن بصرفات الطفل، فكذلك لا يمكن التنبؤ بأسئلته.

     عند حديثنا عن الفيلسوف يتبادر إلى أذهاننا ذلك الشخص الوقور الحكيم، هذه الصورة تسكن المخيال الجمعي أكثر من أي صورة أخرى، ولكن الحديث عن الطفل و الفلسفة، فهذا كجمع بين المتناقضات، بين الوقار و الحيوية، بين الحركة والسكون، وإذا كان بياجيه يرى أنه من غير الممكن تعليم الطفل قبل السن الحادية العشر التفكير النقدي لافتقاره للألية التفكيرية النقدية، فإن هناك من يرى عكس ذلك تماما حيث يجعل من المدرسة مناخا مناسبا للاستثمار في هذه التساؤلات، حيث تكون « المرحلة الابتدائية – وما قبلها- هي المرحلة الدراسية المناسبة لتدريس مادة الفلسفة، باعتبارها طريقة تفكير بخاصة وأن الطفل في هذه المرحلة دائم التساؤل »[1]، ومن بينهم العالم الأمريكي ماثيو ليبمان( 1922-2010) Matthew Lipman  واضع " برنامج تدريس الفلسفة للأطفال " ، بحيث يري أنه من الممكن تدريس الفلسفة لأطفال من خلال تبسيطها  بتوظيف القصة. ولهذا وضع قصص فلسفية منها " هاري سوتلمير La découverte d’Harry Sottlemeier" و قصة كيو وجاس Kio and Gus " ، و قصة " بيكسي Pixie" سنة 1981 تركز هذه القصص على وعي الأطفال بالعلاقات ( المنطقية والأسرية والسببية والرياضية ...)[2]. فالغاية من تدريس الفلسفة للطفل ليس هوَ تلقين إجابات جاهزة، بل تنمية روح التساؤل فيهم، فمن خلالها يمكن تطوير تفكيرهم( التفكير في التفكير).


 تعتمد القصة الفلسفية على واقع الطفل كمنطلق نحو عالم الكبار، مع توظيف الخيال كمحرك لهذه القصص.   

ومن أهداف تدريس القصة الفلسفية ما يلي: 

  • غرس روح التفكير النقدي وتحسينها.
  • تطوير ثقافة السؤال في المدرسة، انطلاقا من أسئلة الأطفال نفسها، و تثمينها.
  • دفع الأطفال إلى كتابة نصوص سردية، تتمحور حول قضايا، تثير تساؤلاتهم.

   - اشراك الطفال في مناقشة القضايا العالمية كمشكل الفقر، حماية البيئة، و المشكلات المحدقة بالمجتمع الإنساني. 

  - ممارسة الحوار الحر وقبول الآخر.

و عليه يمكننا طرح بعض الأسئلة عن هذه العلاقة بين الطفل والفلسفة: هل سنشهد انفتاح المدرسة الجزائرية على هذه التجربة التعليمة؟ و هل يمكن إعادة النظر في علاقاتنا بالطفل كذوات مستقلة لا نسخا مكررة لنا؟  وهل يمكن لهذه البيداغوجيا الجديدة تغير، من صورة الطفل و تمكنه من حقه في التفلسف و توسع جماهير الفلسفة بضم الأطفال إليها؟  أسئلة وغيرها يجب أن تطرح حول العلاقة بين الفلسفة و الطفل.

 


   



[1] - مصطفى النشار، الفلسفة التطبيقية وتطوير الدرس الفلسفي العربي، روابط للنشر وتقنيات المعلومات، مصر، الطبعة الأولى، 2008، ص295.

[2]- المصدر نفسه، ص 299.

   

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة