20 Jul
20Jul


الفلسفة وتحديات العصر

قراءة في كتابات البخاري حمانه

أ.د. كرد محمد، جامعة معسكر


لابد أن نشير في بداية هذه المداخلة إلى مسألة منهجية ضرورية، تتمثل في أننا سنقتصر على تقديم جملة من المفاهيم المتعلقة بفلسفة البخاري حمانه، والتي ترتبط أساسا بتحليله للوضع الفلسفي والفكري في العالم العربي والإسلامي وذلك من خلال التركيز أكثر على كتابه ((تأملات في الدنيا والدين)) حيث يتضمن الكتاب تأملات أو مقالات يبلغ عددها أربعة وثلاثين مقالة، هي في الأصل عبارة عن محاضرات ثقافية وعلمية ودينية، ألقيت أو نشرت في مناسبات مختلفة، منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وسأقوم بدراسة أربعة نصوص من هذا الكتاب تعد منطلقا لتحديد ماهية ((الثورة)) وعلاقتها بمفهوم ((التغيير))، النص الأول (الثورة والقرآن) والنص الثاني (أي ثائر أنت يا محمد) والنص الثالث (الثورة العربية في الأدب الجزائري)، وتكمن الغاية من دراسة هذه النّصوص الثلاثة  في تحليل فلسفة  البخاري حول مفهوم الثّورة وعلاقته بمفهوم التغيير.

تتلمذ البخاري حمانه بالمدرسة الابتدائية الفرنسية-قمار وذلك سنة 1945 ليواصل دراسته بجامعة الزيتونية-الشعبة العصرية 1954 ثم جامعة القاهرة (قسم الفلسفة 1960، مارس عدة وظائف خلال مسيرته الفكرية من أهمها رئيس للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين – القاهرة،  موظف بالسفارة الجزائرية بالقاهرة – قسم الجامعة العربية من سنة  1964 إلى سنة 1966، مارس أيضا مهام  مدير وكالة الأنباء الجزائرية بالقاهرة و المشرق العربي من سنة 1966 إلى سنة 1972 ثم رئيس لدائرة علم النفس وعلوم التربية من سنة 1972 إلى سنة 1980ومدير لمعهد الفلسفة ما بين 1980 – 2000، له دراسات عديدة ومتنوعة تتناول مسائل فلسفية مختلفة وباللغتين العربية والفرنسية*، حاور عدد كبير من زعماء العالم عندما كان صحفيا بالقاهرة في الستينيات حاور عبد الناصر وياسر عرفات والقذافي والملك سعود وجعفر النميري وتيتو  والحبيب بورقيبة  إضافة إلى العديد من كبار الفلاسفة الفرنسيين والألمان والأمريكيين والعرب، شارك في العشرات من المؤتمرات العالمية بكل دول العالم وحاضر بكبريات الجامعات في فرنسا وأمريكا والشرق الأوسط* بل هو عضو في العديد منها كأكاديميات الفلسفة في فرنسا وألمانيا وايطاليا وكندا  والمجر وسويسرا  اليابان وأمريكا وعمان والقاهرة وطهران وتونس وبغداد والرباط**.

والكتاب الذي بين أيدينا ((تأملات في الدنيا والدين)) هو جزء مكمل لما سبق وأن قدمه الأستاذ البخاري حمانه من بحوث في مجالات مختلفة منها ما يرتبط بتاريخ الفكر العربي ومنها ما يعالج مسائل ترتبط بواقعنا اليوم، وهي من نفس المستوى العالي لأعماله السابقة من حيث الدقة والموضوعية وسلامة اللغة وجودة الأسلوب، لا يعيبه إلا كون بعض ما فيه قد سبق وأن تم تقديمه من قبل المؤلف في أعمال أخرى ارتبطت بالمشاركة في ملتقيات ومؤتمرات دولية.

الثورة والتغيير:

يفتتح البخاري حمانه تأمله الأول الموسوم بــ(القرآن والثورة) يبتقديم مفهوم الثورة مستندا في ذلك على نصوص قرآنية، ولا يتم ذلك إلا بعد أن يذكرنا بأن الثورة كلمة معاصرة لم تصبح شائعة ومتداولة إلا بعد سنة 1789م أي بعد الثورة الفرنسية، ثم ينتقل بنا المؤلف بعد هذه الإشارة إلى تقديم التعريف الشائع لها من حيث هي في التداول العام "تبدل عنيف في السياسة وفي نظام الحكم[1]" إلا أن هذا المعنى، كما يستنتج المؤلف لا يعبر عن حقيقة الثورة، ومن هنا يستبعد البخاري المفاهيم التالية (الانقلاب، العصيان، التمرد، الإصلاح) ويخرجها بالتالي من دائرة ما يتضمنه مفهوم الثورة، فإذا كانت هذه المفاهيم تتضمن بداخلها مفهوم التبدل في إطاره السياسي أو العسكري إلا أن ما ينقصه ليرقى إلى مستوى الثورة إنما هو غياب مخطط واضح المعالم يسبق فعل التبدل.


 سيكون هذا النقد بمثابة المنطلق الأول الذي يستعين به المؤلف في تحليله لمفهوم الثورة، أما منطلقه الثاني فتمثل في استنباط مفهوما خاصا من القرآن الكريم، وهو المفهوم الذي ينظر إلى الثورة من حيث هي انفصام في التاريخ أو خط يقسم الأزمان والأفكار والعادات والتقاليد ومواضيع الاهتمام والقوانين وأساليب التفكير والتعبير، إن مثل هذا التعريف لهو، في نظر المؤلف، أقدر على الكشف عن حقيقة وماهية الثورة وذلك لما  في القرآن من شمولية تجعل منه المصدر الأكثر تشاركا بين الناس هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو أكثر التعريفات علمية لاعتبار ما يتضمنه من قدرة على تمييزه عن غيره من الحركات التغييرية الأخرى سواء كانت مسلحة كالحركات الانقلابية أو غير مسلحة كحركات العصيان والتمرد التي تقوم أساسا على الرفض دون اعتماد أرضية تنظيرية قائمة مسبقا.

 تختلف الثورة، إذن،  عن الانقلاب الذي يهدف في الغالب إلى الاستيلاء على الحكم بدلا عن الأقلية أو الأكثرية الممسكة به، وتختلف عن العصيان الذي هو انتفاضة مسلحة ضد السلطة، وعن التمرد الذي يكتفي بقول (لا) دون مخطط سابق يهدف إلى تغييره، وعن الإصلاح الذي لا يقطع الصلة بالماضي بشكل تام وإنما هو استمرار له في بعض أوجهه.


إن المفهوم القرآني للثورة يمكن تحديده بأنه: "ضرورة وإمكانية التغيير الروحي والمادي المستمر للإنسان نحو الأفضل"[2]، يستعمل البخاري، إذن، مفهوم (التغيير) بدلا عن مفهوم (التبدل) وذلك يعود بالسنية للمؤلف لِتَضَمُن النصوص القرآنية لهذا المفهوم "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " سورة الرعد الآية 11.


 إن القراءة المتأملة لهذا التعريف الذي يستنبطه البخاري حمانه من النص القرآني تكشف لنا إحدى المفارقات التي تحملها فلسفته، فالتعريف السابق يبدو (وهذا من خلال ما تقدمه دراسة الأستاذ بوعرفة عبد القادر في مقاله "جدلية الثورة والتغيير في القرآن في فلسفة البخاري حمانه) منسجما مع ما يقدمه الفهم الماركسي للثورة من حيث هي تغير أو تبدل جذري وانعطاف اجتماعي (أي ثورة اجتماعية)، أو هي قطيعة بين لحظتين متناقضتين وفق جدلية تاريخية تعمل ضمن نطاق اجتماعي، إلا أننا نلتمس في تعريف البخاري حمانه رؤية تأويلية تجعل من هذا التعريف (الماركسي) الأرضية التي يستند عليها في فهم النصوص الدينية التي تتكلم إما بشكل مباشر أو غير مباشر عن الثورة، ومن هنا يصبح التعريف (الماركسي) أقرب إلى روح النص القرآني، إلا أن هذه الرؤية التأويلية تأخذ منعطفا يجعلها تبتعد عن الطرح الماركسي عندما يكشف البخاري عن طبيعة هذا التغيير المأمول والذي لا يمكن أن يكون إلا  تغييرا للذات أو للنفس الإنسانية نحو الأفضل ومعنى ذلك أن التغيير يجد منطلقه في المادة  والروح معا، وبهذا التأويل يكون البخاري قد شكل قطيعة في جانب معين مع الطرح الماركسي الذي يحصر الإنسان في ما هو مادي فقط، فالمادة والروح معا يشكل كل ذلك منطلق التغيير، ومن هنا تلك الرؤية التكاملية التي تجعل من الإنسان عقل وقلب وجسد وروح،  "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" القصص، الآية 77. 


 يؤكد البخاري حمانه على أن القرآن الكريم لا يتضمن لفظ ((الثورة)) وإنما يتضمن لفظ ((التغيير))، فلفظ ((التغيير)) وفق الرؤية التي يقدمها البخاري إنما يشير بالضرورة إلى لفظ ((الثورة))، "إن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الرعد، الآية 11، ومن هنا يمكن استنباط الفهم القرآني للثورة من حيث هي "إمكانية التغيير الروحي و المادي المستمر للإنسان نحو الأفضل"[3]، فالثورة التي لا تحدث تغييرا لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال ثورة.


 وقد يتجلى لنا من خلال هذه القراءة التقاطع الذي يمكن أن يربط فكر البخاري بما تؤكد عليه الفلسفة الهيغلية من أن التاريخ هو تقدم إلى شيء أفضل، أي أن دافع الروح يبحث عن النمو، فالهدف هو الروح في اكتمالها، فصيرورة الزمن، بالمنظور الهيغلي، يتجه دوما من الأدنى إلى الأكثر كمالا، ومن هنا نجد صعوبة في تصنيف فكر البخاري ضمن اتجاه فكري معين وعلة ذلك تقاطع هذا الفكر مع تيارات فكرية مختلفة إن لم نقل متناقضة في حالات كثيرة، وهذه الميزة قد نلتمسها في مفكرين من أمثال هيدغر أو دريدا أو بنيمين وغيرهم كثير.

 يقوم البخاري بنقد الفلاسفة والمفكرين من أمثال أفلاطون جون جاك روسو ومونتاني الذين قالوا بأفضلية الماضي على الحاضر وعلى المستقبل بالتالي، وهو في نقده هذا يجد السند في النصوص القرآنية الدالة على أن التغير يسير دوما نحو الأفضل، فالشباب، الذين هم تمثيل لصورة المستقبل، كانوا دوما موضع ثناء وتمجيد في القرآن الكريم ((شباب أهل الكهف، سيدنا إبراهيم عليه السلام وموقفه الرافض لشرك أبيه وذويه) "ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا" (الكهف، الآية 12)، "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ" (الزخرف، الآية 26).

     يتضح لنا من خلال ما سبق أن البخاري وإن حاول إعادة قراءة مفهوم الثورة بمنظور إسلامي اعتمد فيه على الأسلوب الفينومينولوجي الذي عاد من خلاله إلى النصوص القرآنية مباشرة إلا أنه استند في حالات معينة على القراءة الهيغيلية لحركة التاريخ الإنساني وفي حالات أخرى على الفهم الماركسي للثورة.


 يمكن الاستناد على هذا الفهم وهذه الرؤية التي تجمع بين النص القرآني والرؤية الماركسية والهيغيلية في الوقت نفسه لفهم واقع الثورات العربية اليوم، فالثّورة التي لا تحدث تغييرا في البٍّنية العميقة للإنسان والمجتمع سيصفها التاريخ بالثّورة العقيمة، إن التغيير الذي يشير إليه البخاري يحتوي على عنصر أساسي يجنب الإنسان عنصر المفاجأة ويتمثل في اعتماد الأسلوب التربوي[4]، فكل محاولة تغيير لا تقوم على تخطيط مسبق مهيأ له يكون مصيره الفشل وسرعان ما ينشئ نظاما آخر أكثر ظلما وظلاما من سابقه، تهيئ الإطار الفكري للتغيير يتيح فرصة التوقع والفهم، ويجعله نتيجة لذلك أكثر فهما لما يجري وأقل معارضة ورفضا له وهذا هو الأساس الحديث للتربية اليوم.

يحدد البخاري خلاصة فلسفته فيما يخص ((ماهية الثورة)) وذلك بالرجوع كما تحدد سلفا إلى ((ماهية التغيير)) كما تكشف عن ذاتها في النصوص القرآنية، ماهية الثورة لا يمكن إلا أن تكون مفهوما ثابتا لا يكشف عن ذاته وأصالته إلا بالرجوع إلى النص القرآني، فأهدافها وأسسها قد وضعت سلفا وحددت من قبل الله، وعليه فإن مفهوم الثّورة، شأنه شأن كلمة الله، لا تعرف تبديلا أو تحويلا،  ومن هنا يمكن أن نلتمس في فكر البخاري ما يجعله أكثر قربا من الفلاسفة والمفكرين القائلين بأن الحقيقة لا تُحمل إلا على وجه واحد لا غير فهي مرادفة لليقين، ويكون أكثر قربا كذلك من الفلاسفة الذين يعتبرون أن العقل لا يمكنه التفكير خارج حدود النص الديني، نؤمن أولا ثم نتعقل ثانيا، لنجعل من التعقل فعلا مرسخا ومثبتا للإيمان، "إن اخص خاصية للثورة في القرآن تتمثل في أن أسسها وأهدافها قد وضعت وحددت من طرف الله وبالتالي فان هذه الثورة، شانها شان كلمة الله، لا تعرف تبديلا أو تحويلا"[5].

إن الثورة التي لا تحدث تغييرا، إذن، لا يمكن أن توصف بأنها ثورة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أحدث تغييرا جذريا في بنية العقل العربي ودفعه إلى الانتقال نحو الأفضل فهو بالمعنى الذي يشير إليه البخاري بحق ثائر، ومن هنا يمكن الرجوع إلى التأمل الثاني ((أي ثائر أنت يا محمد)) للتأكيد على أن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام استمدت من القرآن الكريم معالم وقواعد ومفهوم التغيير يقول البخاري: "لأن الثورة في مفهوم رسالتك لا يمكن أن تكون إلا متكاملة، ولأنها لا يمكن أن تكون متكاملة إلا إذا كانت روحية وأخلاقية ومادية في نفس الوقت .. ولأن الإنسان في نظرك كل روحي ومادي متكامل لا يمكن أن يحصر أو ينحصر في معادلات مادية أو غريزية باهتة بل انه قبل كل شيء جسد وروح قلب وعقل وعاطفة ووعي فان مفهومك المتكامل هذا لم يجمد الإنسان في المادة ولم يغرقه في النزعات الروحية المتطرفة في نفس الوقت لذلك لم يعرف الإنسان في مفهوم الإسلام الحقيقي ذلك الضياع الروحي الذي يعرفه اليوم إنسان القرن العشرين ولذلك أيضا ظل مفهومك هذا للإنسان مفهوما متجددا باستمرار"[6].


الفلسفة والأدب:

يعتمد البخاري على هذا الفهم في محاولة عرض صورة (الثورة الجزائرية) في القول الأدبي الجزائري وهذا ما يمكن التماسه بالرجوع إلى تأمله الثالث ((الثورة العربية في الأدب الجزائري المعاصر)).

 إن مقالة البخاري ((الثورة العربية في الأدب الجزائري المعاصر)) إنما تكشف لنا علاقة الجوار التي تربط بين الفلسفة والأدب، فقد نجد الفيلسوف والأديب يتجاوران ويلتقيان لقول الشيء ذاته، إن الفلسفة تقدم نفسها على شكل قراءة تأويلية للنص الأدبي، وهذا ما يجعلنا  نجد صعوبة في رسم الحدود الفاصلة بين ما هو أدبي وما هو فلسفي. كما نلاحظ ذلك مثلا من خلال أعمال هيدغر الذي يرى في كل من المفكر والفنان حارسا للكينونة. 


يتجاوز البخاري في مقاله هذا التعريف الأكاديمي المتخصص للأدب الذي يجعل منه مأثور الكلام وما يتصل به لتفسيره وتذوقه،  وهو يتجاوز في الوقت نفسه التعريف القديم الذي يجعل منه الأخذ من كل شيء بطرف، إن الأدب كما يتصوره البخاري يحمل دلالة لهي أقرب إلى التصور الوجودي من حيث هو نداء ملح للحرية الإنسانية والتزام علمي بها، وقد نجد في قول جون بول سارتر ما يؤكد على هذا المعنى: "ليس الأدب سوى ذاتية مجتمعة في ثورة مستمرة ... لأن في مثل هذا المجتمع وفيه وحده ، يستطيع الأدب أن يتجاوز التناقض بين القول والعمل"[7].


تبعا للمعنى السابق، سيكون، بالنسبة للبخاري، كل نص سواء كان نثرا أو شعرا أو مقالا تناول كمحور له القضايا السياسية الوطنية والعربية والذي يمتد من بداية هذا القرن إلى غاية منتصفه موضوعا لقراءته الفلسفية.


لقد ظل البخاري ملتزما بالمفهوم ذاته للثورة كما تحدد في مقاله ((الثورة والقرآن)) ليبحث عن هذا الماهية من خلال هذا التأمل في نصوص عمر بن قدور* الشعرية والصحفية، وفي النصوص القصصية والصحفية لكل من علي الحمامي**و أبو اليقظان ابراهيم*** ، وفي نصوص الشاعر محمد العيد آل خليفة، ليختم التأمل بمحاولة قراءة نصوص الشاعر مفدي زكريا قراءة فينومينولوجية هيرمينوطيقية.

       إن هذه النماذج، تحضر بالنسبة للبخاري، كعينة لها دلالاتها للمثقفين جمع البعض منهم بين القصة والشعر والبعض الآخر بين الأدب والصحافة ولكنهم التقوا كلهم عند مجموعة من الحقائق لعل أهمها ... فهمهم العميق لمجريات الأحداث التي كانت تجري على الساحة العربية والإسلامية وانفعالهم العميق بالواقع العربي والإسلامي وبالمؤامرات التي بدأت تستهدفه ... ومحاولاتهم تشخيص ذلك الواقع للكشف عن أسبابه وتقديم تصورا لما رواه من حلول كفيلة بوقفه.

نختم مداخلتنا هذه بعرض بعض المقاطع التي عاد إليها البخاري من قصيدة يا شرق للشاعر عمر بن قدور يقول فيها:


يـا شـرقُ، هل هذه الـمـصـائب تـنجلــــي أو يـنـتهـي الغلـيـان مـن ذا الـمــرجلِ؟
يـا شـرقَنـا حتى متى نجنـي الـمــــــنى؟ أم ذي الـمـنى عـنـوان مـا لـم نعـمـــل؟
يـا شـرقَنـا إنـي ظننـتك نــــــــــاهضًا فجعـلـتَ ظنـي الـمـاءَ وسط الــــــــمُنْخل
يـا شـرقُ، مـا لعقـول قـومك لا تعــــــي نصحًا مـن الـمـاضـي إلى الـمستقبـــــــل
يـا شـرقَنـا، إنـي أعـــــــــيذك أن تُرى متغافلاً عـنهـم فتسقط مـن عــــــــــــل

لقد كانت الثورة الجزائرية حدثا عربيا وإسلاميا مميزا في النصف الثاني من القرن العشرين،هزت الجماهير العربية الثائرة في اليمن وفلسطين وغيرهما،وانتصارها لم يكن بالشعارات والأحلام والخيالات، وإنما بالإنجازات والتضحيات،تضحيات هي الأكبر التي قدمها شعب عربي أو مسلم في العصر الحديث[8]. 


الخاتمة: 

يجب التأكيد على أن هذه المداخلة لا تتناول كل المواضيع والأفكار التي يتضمنها كتاب (التأملات) فقد اقتصرت على تقديم إشكالية واحدة من مجموع ما تتضمنه ((التأملات)) من إشكاليات متعددة ومتنوعة والاشكالية كما ذكرنا ذرنا ذلك سلفا هي تلك التي تؤكد على العلاقة التأسيسية بين سؤال الثورة وسؤال التغيير من حيث هما متعالقين ومترابطبن، وحاولت أن أنظر من خلالها إلى فلسفة وفكر البخاري حمانه، فالكتاب ككل ((التأملات)) يستدعي بذل جهد وتركيز أكبر في تفكيك مضامينه وتناوله بعمق ووعي وتبصر، نظرا لكونه يمس صميم الوجود العربي الإسلامي، إننا نلاحظ أن كتاب ((التأملات)) يبقى بما يحمله من مقالات وإشكاليات مادة خصبة تسمح لقارئها بممارسة فعل التفلسف بأن يفكر مع وضد البخاري، بقي أن أقول في ختام هذه المداخلة بأن شخصية البخاري الفكرية شخصية جديرة بالاهتمام.

 

 ----------------------



* –نذكر منها: القرآن والثورة سنة 1984،-الإدراك الحسي عند الغزالي سنة 1986، -التعلّم عند الغزالي سنة 1986، -ابن خلدون حياته و أثره 1984،-فلسفة الثورة الجزائرية  2005،-Ecrits  sur La Palestine ، 2006،-Ecrits philosophiques,2010، --Les sciences socials aujourd`hui, 1984، -أصداء الثورة الجزائرية في العالم ، Bruxelles.، -Les relations  algéro- Ouest Allemandes,Hambourg,1989، -الفلسفة العربية المعاصرة -1988،-Contemporary Essays on Charles.S.Peirce. 2000،-La nature : Société Romande de philosophie .Lausanne- Genève,(Suisse),1996. -ابن رشد : فيلسوف الشرق و الغرب ، 1999 (جزآن ).

* - نذكر منها: المؤتمر الثاني للفكر الإسلامي-طهران-إيران 1984، -المؤتمر الدولي للفلسفة البراغماتية –هارفارد 1988 –الولايات المتحدة الأمريكية، -المؤتمر الدولي للجمعيات الفلسفية الناطقة بالفرنسية لوزان-سويسرا 1994 "الطبيعة" ، -المؤتمر الدولي للجمعيات الفلسفية الناطقة باللغة الفرنسية- كوبيك-كندا 1998،-المؤتمر الدولي حول العلاقات الجزائرية –الألمانية الغربية، هانبورغ 1989،-المؤتمر الدولي حول العقل و مستقبل العقلانية .جامعة نيس، فرنسا،-المؤتمر الدولي حول الإنسان و التفكير . جامعة NANTES  ، نانت فرنسا 2004.

** -عضو مؤسسة للجمعية الفلسفية العربية ، عمان . الأردن 1987 – نائب رئيس الجمعية، -عضة الجمعية الدولية للفلسفةالبراغماتية،  هارفارد ، الولايات المتحدة الأمريكية 1988، -عضو رابطة الجمعيات الفلسفية الناطقة بالفرنسية (ASPLF) فرنسا 1994، - عضو:،Les societés de philosophie de langue française،Society for advencement of American philosophy . New-York , 1989، عضو استشاري :Inamory fundation for Advenced Technology ,Basic، Siences and Creative Arts and Moral Science , Kyoto .Japan,1994-2000

[1] _البخاري حمانه: تأملات في الدنيا والدين، دار القدس العربي، الطبعة الأولى، 2012، ص: 23

[2] _ البخاري حمانه: تأملات في الدنيا والدين، ص 24

[3] - المصدر نفسه، ص: 25  

[4] _ المصدر نقسه، ص: 27

[5] _ المصدر نفسه، ص : 46.

[6] - المصدر نفسه، ص ص .211-212.

[7] _ المصدر نفسه، ص: 72  

* - شاعر وصحافي جزائري . ولد بالجزائر سنة 1886 وتوفي بها سنة 1930 ، يعتبر عمر بن قدور من رواد الصحافة العربية في الجزائر أنشأ عدة صحف، أهمها وأشهرها جريدة الفاروق، أسس سنة 1914  "جماعة التعارف الإسلامي في شمال إفريقيا" ، هو القائل في إحدى مقالاته: "لنا قومية عروتها متينة، وملّة قيمتها ثمينة، وإن أصيب أعضاؤها بخدر أنتجته الحوادث، فالأمل أنه خدر قصير المدة، وسينقطع وتتحرك أعضاؤنا بنشاط تام، فما لنا رغبة في الاندماج بفرنسا، ولا بغيرها من الأجناس، وما لنا رغبة في نيل حقوق تجرّ علينا الويل والدمار".

** - علي الحمامي: كاتب قصصي ومجاهد ولد سنة 1902 بمدينة ( تيارت )، ألَّف سنة 1942 كتابًا في الأدب، وهو قصة "إدريس" بالفرنسية، والكتاب فيه توعية بمكر الاستعمار، وتحفيز لمقاومته، أشار الأستاذ مالك بن نبي في هامش كتابه (وجهة العالم الإسلامي) في موضعين ص52 وص91 إلى أهمية تراث الأستاذ علي الحمامي وضرورة نشره.

*** - أبو اليقظان إبراهيم: ولد سنة 1888 بالقرارة بالجنوب الجزائري وتوفي بالجزائر العاصمة سنة 1973، من مؤلفاته:  فتح نوافذ القرآن، ديوان أبي اليقظان في جزأي،-  سلّم الاستقامة في سبعة أجزاء. ،-تاريخ صحف أبي اليقظان،-ملحق لسير الشّمّاخي في ثلاث حلقات، الإسلام ونظام العشائر في الإسلام، -الجزائر بين عهدين الاستقلال والاستغلال.، -الإباضية في شمال إفريقيا في ثلاث حلقات، خلاصة التّاريخ الإسلامي للجزائر، في ثلاثة أجزاء.

[8] _ المصدر نفسه، ص: 245

   



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة