شعيرة العيد في ظروف وباء كورونا (كوفيد 19)
أ.د. منصور مرقومة، علم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية
جامعة مستغانم
فيروس كورونا (كوفيد 19) الذي مس جميع مناطق وشعوب العالم تقريبا وفرض نفسه عليها، أصبح الشغل الشاغل لكثير من الناس، اجتاح العالم في ظرف زمني قياسي، كان مفاجئا مباغتا أربك دول العالم، فكانت لهذه الخاصية انعكاسات سلبية لم تكن ضمن توقعــــــات حكومات ومواطني البلدان التي طــالهــا الوباء، بحيث لم تؤخذ في بداياتها بالجدية والحزم سواء من طرف المسؤولين الرسميين أو من طرف المواطنين العاديين، بل على العكس من ذلك، فلقد قوبل في بداياته الأولى بالتهكم والسخرية، الشيء الذي لم يسمح باتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية اللازمة، وأعطى تصورات وتمثلات متباينة لدى الفئات الاجتماعية على اختلاف انتماءاتها الوطنية أو الإقليمية، وقلب التصورات والتمثلات والإجراءات والتدابير رأسا على عقب، وأثر بشكل واضح في تصرفات ومواقف الفاعلين الاجتماعيين، وأحدث خللا في الأنساق والبنيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
جاء هذا الوباء إلى الدول العربية والإسلامية، ومن بينها الجزائر على وجه الخصوص، في ظروف ربما نستطيع تسميتها بالاستثنائية، قبيل الشهر الكريم رمضان المعظم، والذي يعرف في حالته العادية بزيادة الحركة والنشاط والإقبال على الأسواق والمحلات التجارية وغيرها، ويتوج في نهاية أيامه المعدودات بعيد الفطر المبارك الذي يعرف بدوره تكثيفا للحركة والتنقلات والزيارات. غير أن تفشي الوباء أدى إلى اختلالات واضحة في هذا النشاط، وذلك تأثرا بتدابير الوقاية والسلامة، كالحجر الصحي الذي فرض على المواطنين لأجل سلامتهم وحمايتهم من مخاطر هذا الوباء. يأتي عيد الفطر هذه السنة في ظروف جد مخالفة لما عهده المجتمع، ولما تعارف عليه الناس من عادات وتقاليد، حيث أدى الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي إلى إحداث نوع من الخلل على مستوى العلاقات الاجتماعية، بحيث لم يعد في مقدور الكثير من الناس التواصل فعليا وبشكل مباشر مع أهاليهم وأقاربهم وحتى جيرانهم الذين لا تفصلهم عنهم سوى مسافات قليلة قد لا تتعدى بضع أمتار. إن من عادات الناس في هذا اليوم أن يبدوا الفرحة بانتهاء شهر الصيام والإقبال على المناسبة السعيدة التي تسمح لهم بالتواصل مع أشخاص قد لا يتواصلون معم سوى في مثل هذه المناسبات. تعوّد الناس أيضا في مثل هذا اليوم على تبادل الأطباق المختلفة من حلويات وأطعمة وغيرها، والتي يتنافسون في تحضيرها، ويسعون إلى إيصالها إلى أقاربهم ومعارفهم أثناء الزيارات المتبادلة والتجمعات لدى الآباء والأجداد وكبار السن وغيرهم. تعود الأبناء على الإسراع لزيارة الآباء خاصة إذا لم يكونوا يقطنون معهم في نفس المدينة أو نفس المنطقة. تعودت مختلف العائلات على التحضيرات المتعددة لاستقبال الضيوف والزائرين المهنئين بالعيد والمتواصلين اجتماعيا، حيث تزين البيوت وقاعات الاستقبال، وتحضر الوجبات المختلفة تحسبا للتجمعات التي يمكن أن تظم أعدادا معتبرة من الأبناء والإخوة والأحفاد والمقربين وغيرهم. تعود الأطفال أن يخرجوا إلى الشوارع والساحات العمومية، وزيارة الأقارب والجيران، متباهين بأثوابهم الجميلة وملابسهم الجديدة، وشراء اللعب والهدايا على اختلافها في جو تزينه ألوان ألبستهم وهداياهم.
صلاة العيد التي يبدأ التحضير لها قبل يوم العيد، من تنظيف وتعطير وتزيين للمساجد والساحات القريبة منها. تتجه إليها باكرا جموع المصلين الذاكرين والمهللين والمكبرين، شاكرين الله على توفيقهم لصيام رمضان وبلوغ الجائزة يوم العيد، بهيئاتهم التي تعكس السكينة والوقار، فيؤدون الصلاة ويستمعون إلى خطبة الإمام، ثم يتعانقون ويتصافحون متبادلين التهاني والتمنيات الطيبة.
في ظل وباء كورونا، كل ذلك لم يعد ممكنا اليوم، فالمحلات مغلقة، والحركة مقيدة، وظروف الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي مشددة، والخشية من العدوى وزيادة تفشي الوباء كبيرة. أحدث ذلك نوعا من الإحباط والحزن والتأسف على فوات هذه الاحتفالية المتعددة الجوانب، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وفرض على الناس البقاء في بيوتهم تفاديا لكل مكروه قد يصيبهم، أو عدوى قد تلحقهم. بالمقابل وفرت وسائل التواصل الاجتماعي على تعددها فرصا جد مهمة للتواصل الافتراضي مع الأهل والأقارب، وقربت المسافات، وخففت من وطأة الإجراءات الاحترازية والوقائية. رغم ذلك كله، يبقى الوعي والحس الرفيع من أساسيات المواقف، وتبقى الوقاية خير من العلاج، والسلامة مطلب لا يمكن تجاوزه، والصبر مفتاح الفرج.