23 May
23May

حديث السبت

قصيدة المتنبي : عدت بأي حال 

الأستاذ بن مزيان بن شرقي، جامعة وهران2


أعود وبهذه المناسبة، مناسبة العيد، لقصيدة يحفظ تقريبا الجميع على الأقل البيت الأول منها، قصيدة المتنبي، عدت بأي حال، وأني اليوم لا أعود لها فقط لأنها تزامنت مع العيد كما قد نعتقد بل أعود لها لأنها شدت انتباهي من زاوية أو زاويا جديدة. فهي، القصيدة، بغض النظر عن البيت الأول، والذي نحفظه جميعا لم يذكر المتنبي العيد أو مزايا العيد إلا في بيت، ربما كان يقصد من العيد فقط معني الفرحة التي يكون مصدرها العيد نفسه بينما باقي  أبيات القصيدة يدور حول مسألتين: الهجاء، وخيبة الأمل أو رثاء الذات لنفسها. سأبسط القصيدة كما نقلتها وأعود بعد ذلك للبعض الملاحظات. 

عيد بأية حال عدت يا عيد .... بما مضى أم لأمر فيك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهم .... فليت دونك بيداً دونها بيد

لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها ....وجناء حرف ولا جرداء قيدود

وكان أطيب من سيفي معانقة ....أشباه رونقه الغيد الأماليد

لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي .....شيئاً تتيمه عين ولا جيد

يا ساقيي أخمر في كؤوسكما ....أم في كؤوسكما هم وتسهيد

أصخرة أنا ما لي لا تحركني ....هذي المدام ولا هذي الأغاريد

إذا أردت كميت اللون صافية .....وجدتها وحبيب النفس مفقود

ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه .....أني بما أنا شاك منه محسود

أمسيت أروح مثر خازنا ويداً .....أنا الغني وأموالي المواعيد

إني نزلت بكذابين ضيفهم .....عن القرى وعن الترحال محدود

جود الرجال من الأيدي وجودهم .....من اللسان فلا كانوا ولا الجود

ما يقبض الموت نفساً من نفوسهم ......إلا وفي يده من نتنها عود

أكلما اغتال عبد السوء سيده .........أو خانه فله في مصر تمهيد

صار الخصي إمام الآبقين بها ..........فالحر مستعبد والعبد معبود

نامت نواطير مصر عن ثعالبها ........فقد بشمن وما تفنى العناقيد

العبد ليس لحر صالح بأخ ......لو أنه في ثياب الحر مولود

لا تشتر العبد إلا والعصا معه ........إن العبيد لأنجاس مناكيد

ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن .......يسيء بي فيه عبد وهو محمود

ولا توهمت أن الناس قد فقدوا ........وأن مثل أبي البيضاء موجود

وأن ذا الأسود المثقوب مشفره ......تطيعه ذي العضاريط الرعاديد

جوعان يأكل من زادي ويمسكني ........لكي يقال عظيم القدر مقصود

ويلمها خطة ويلم قابلها            لمثلها خلق المهرية القود

وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ          إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ

مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً     أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ

أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً             أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ

أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ                في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ        عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ

(منقول)

كما سبق وأن ذكرت القصيدة يمكن أن نعدها في باب نقد الذات لأن المتبني بالرغم من أنه يبدأ بذكر العيد إلا أن هذا الذكر المقدم للعيد لم يكن من باب الفرحة بقدر ما كان من باب التحسر أو مناشدة المتبوع بالرجاء. يأتي ذلك بعدما عاد المتبني في جل أبيات القصيدة مذكرا نفسه بما كان يجب عليه فعله ولكنه مع ذلك لم منع نفسه منه، من ملذات الحياة والتمتع ولكنه مع ذلك كان ينشد دوما ما هو أبعد من ذلك إن صدم بحقيقة مرة فعادا لموضوع الهجاء الذي وجهه لكافور مذكرا في بيت متميز أهل مصر بما يجب أن يقاموا به من متابعة دقيقة لأمورهم حينما يقول:

نامت نواطير مصر عن ثعالبها ........فقد بشمن وما تفنى العناقيد

 أن القصيدة نفسها يمكننا أن نحسبها في باب النقد الذاتي ولكن مع ذلك يمكننا اليوم سحبها على واقعنا الذي نعيشه الآن في الراهن ولعل أول ما يتبادر لذهني مسألة أستغلال الفرص والقناعة. إستغلال الفرص نعني به التمتع بما هو متوفر دون الجري وراء هامش ليس من باب الإمكان وإلا كان الندم، والقناعة نعني بها الإكتفاء بما توفر لديك دون إنتظار فيما لا يمكن أن نناله. أما العبرة الثانية فتتعلق يالثقة المفرطة دون الاحتكام للعقل فذلك مرض قد يصيبنا إذا ما كان المصير مرتبط في ذهن كل واحد منا خارج ما هو ممكن. أما المسألة الثالثة فتتعلق بالفرحة أو بالسرور عموما فتلك لحظات متميزة من عمر كل فرد عليه أن يحفظها ويعد لها ما إستطاع من وقت وزاد لعلها تكون متنفسا له ولغيره.

أشكركم عيد سعيد للجميع وإلى السبت القادم

بن مزيان بن شرقي

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة