04 Jul
04Jul


الجغرافيا الروحية لقاء القطب ابي مدين شعيب والحاخام افراييم النكاوة


الأستاذ عطار أحمد، جامعة تلمسان

مخبر الفينومينولوجيا وتطبيقاتها


تمهيد:

ذهل الإنسان طويلا أمام تبدل الأحوال ولازم تفكيره مفهوم الزمن لكنه لم بهتم بالمكان كثيرا إلا من ناحية جمالية الطبيعة،ورغم ربطه للروحانيات بالدهر والتاريخ والزمن الا انه لم ير في الجغرافيا مكمن للروحانيات والحديث ليس قطعي طبعا، لكن كما هو معلوم أن أماكن بناء المعابد والكنائس كانت ترتبط دائما بسر روحي يختزنه المكان تماما كموقع الكعبة والقدس او الاهرامات او الينابيع الرومانية المقدسة، لذلك يمكن ان نقول ان هناك جغرافيا لها جذب روحي وأخرى فقيرة، وقد لا أبالغ حين أقول أن مدينة تلمسان تختزن أسرار روحية جعلتها تجمع الكثير من اللقاءات الروحية والمرور الهام كمرور ابن عربي والأمير عبد القادر الجزائري وغيرهم، والقائمة تطول وتتنوع، لكن سنركز على قطبين في روحانيات العصور الوسطى ونتعمق في  القواسم المشتركة بينهما، إنهما القطب أبي مدين شعيب الاشبيلي  والحاخام "افراييم انكاوةّ دفين قباسة تلمسان، فما الدرس المستخلص من هذين القطبين في جغرافيا تلمسان؟.

اسطورة الدخول:


اسطورة الدخول:

في البداية علينا بعرض المقاربات الجغرافية ذلك أن{سيدي بومدين والحاخام "افراييم انكاوة" يلتقيان في معجزة المكان وأسطورية القدوم الأول فلقد جاء"سيدي بومدين" من بجاية أي من الشرق والثاني من الغرب (على العلم أن كلاهما من الأندلس ارض التسامح) واستقربهما المقام في نقطة الوصل تلمسان، اسم تلمسان يعني أصلا الينابيع أو اللقاء بين الجهتين وهي بالفعل ملتقى العيون والطرق والديانات فهي الاندلس الضائعة وهي أورشليم الموعودة، فهي لهما مزار للحج. دخلها سيدي بومدين يوم جمعة والثاني يوم السبت (شباط) }.

صورة أبي مدين شعيب
صورة (سيدي بوجين) بتلمسان
الحاخام افراييم النكاوة (1)
الحاخام افراييم النكاوة (2)



01/ منطق الحيوان:

      أول وجه للتشابه بين الشخصيتين هو كراماتهم في الحيوانات إذ يذكر صاحب كتاب نفح الطيب (4/269) "رأى (أبي مدين) أسدا افترس حمارا وهو يأكله، وصاحبه جالس بالبعد على غاية الحاجة والفاقة. فجاءه أبو مدين وأخذ بناصية الأسد وقال لصاحب الحمار: أمسك الأسد، واذهب به واستعمله في الخدمة موضع حمارك. فقال له : يا سيدي أخاف منه فقال (له أبو مدين): لا تخف لا يستطيع أن  يؤذيك. مر الرجل يقوده والناس ينظرون إليه. فلما كان آخر النهار جاء الرجل ومعه الأسد للشيخ (ابي مدين) وقال له : يا سيدي ؟ هذا الأسد يتبعني حيث ذهبت، وأنا شديد الخوف منه لا طاقة لي بعشرته فقال الشيخ (أبو مدين) للأسد: اذهب ولا تعد"، كما له قصص وعجائب مع الطيور.

أما "افرييم انكاوة" فتعتبر قصة قدومه فاتحة دخول اليهود إلى تلمسان سنة 1393 الأمر الذي جعل اليهود ينظرون الى الربي كقائد ومخلص لهم ويلقب "بضوء بني إسرائيل" و"صاحب المعجزات" 

وملخص القصة نقتبسها كما يلي:

{ تلقى في البداية دروسا معمقة حول اللاهوت اليهودي والعلوم الطبية في عصره، لكن الأحداث التي وقعت في الاندلس بداية من 1391 اجبرته على مغادرة البلاد والبحث عن حياة جديدة في شمال إفريقيا. وعند اقترابه من تلمسان حدثت له معجزة مدهشة فلقد صادف يوم قدومه الاحتفال بالشاباط يوم سبت، وقد توقف بالفعل للاحتفال في مكان مليء بالأسود، مقتنعا بأن الرب يحميه: وبالفعل بقي لوحده  في حين أن القافلة غادرت المكان وبينما كانت الشمس تغرب والأسود تقترب منه لافتراسه. وبينما كانت الأسود تخرج من أوكارها للانقضاض عليه. اقترب الأسد من الحاخام وجلس أمامه كما لو كان كلب. الخوف من الأسد جعل كل الحيوانات تبتعد عن الحاخام افرايم. وظل الاسد يحمي الحاخام حتى نهاية الشاباط.

ثم قام الاسد بوضع ثعبان بين فكيه وكأنه لجام حصان ففهم الحاخام هذا المعنى. صعد على ظهر الأسد وامسك اللجام في يده وجاء إلى تلمسان. ولقد ذكر الحاخام حاييم بلياحBliah أطوار هذه الحكاية، وكيف ان اليهود قبل قدومه كانوا ممنوعين من العيش في مدينة تلمسان، التي كانت خاضعة لسلطان المسلمين.

تجمع اليهود بقرية خارج اسوار المدينة.  وعند وصول الحاخام لتلمسان صادف ان اصيبت البنت الوحيدة للملك بمرض شديد واستعصى شفاؤها، ولقد نصح اطباء المدينة الملك باستدعاء طبيب يهودي كان قد وصل لتوه من اسبانيا يمكنه شفاؤها وهذا ما حدث بالفعل فارسل الملك بطلبه، وطلب منه شفاء ابنته مقابل أن يعطيه ما يريد فنجح الطبيب اليهودي وشفيت ابنة الملك الذي عرض الذهب والفضة على الطبيب الذي لم يقبله وطلب من الملك السماح لليهود بالاستقرار على مشارف المدينة وكان له ما طلب،  فأقام الحي اليهودي الذي توسطه كنيس كبير وظل اليهود ممتنين للحاكم والحاخام الذي دفن في 1442 خارج المدينة في مقبرة صغيرة تقع أمام المقبرة اليهودية القديمة واقاموا له ضريحا يحجون اليه كل مرة اين تقام الاحتفالات وتوزع الحلوة وتنتهي الزيارة احتفالية (هالولوياHilloula) ، ثم يتم تزويج الشباب تعبيرا عن تخليد العهد واستمراريته}

أما سيدي بومدين فعلاقته مع رجل السياسة كانت مضطربة فبعد استدعاء الحكام له ادعى الله أن لا يلاقيهم إذا كانت نيتهم شريرة وبالفعل فلقد توفي قبل أن يصل لطالبه، 

خاتمة:

إن الحديث عن معلمي او حكيمي تلمسان ولنقل كذلك الغريبين عن المدينة يطيب المقام للربي مع رؤيته لربيع تلمسان الذي يذكره بالأندلس، تماما كما يطيب لسيدي بومدين الرقاد في العباد لا يفهم منه اي نوع من انواع التفكير الايديولوجي بل المبتغى هو التأكيد على انتقال روح التسامح الديني التي كانت موجودة في الاندلس مع أندلسيين جاء كلاهما بهذه الروح الى تلمسان ورغم مرور قرون على موتهما فوجود القبرين دليل على تاريخ من التقبل والتمازج الحضاري كما تعتبر قصتهما رمزا للتسامح الذي حمله الإسلام الأول لكل المعتقدات.


الأستاذ عطار أحمد

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة