26 Jul
26Jul


كَتَــبْنَ.....فَــــــأَبْـدَعْــنَ 


الدكتورة :بوزيدي مسعودة

مخبر الفلسفة وتاريخها،جامعة وهران 2



إن الحديث عن الكتابة باعتباره فنًا وإنتاجًا إبداعيًا ثقافيًا منذ القدم يحيلنا بالضّرورة إلى الحديث عن الكتابة النّسوية الّتي هي استجابة لنداء الحاضر ورفع الجسد من الحس إلى التّجريد والانتقال من عالم الأسرار إلى عالم الأنوار ،فتأخرت الكتابة نظرا لظروف البلاد المعيش في الوطن العربي عامة وبالجزائر خاصة ،فتمخضت الرّواية النّسائية الجزائرية كشكل أدبي راقٍ منفتح من حيث الشّكل والمضمون في شتى المجالات معلنة عن بزوغ شاعرات قاصات وروائيات زينت كتاباتهن الأدب الجزائري فبرزت للوجود كتابات زهور ونيسي ،أحلام مستغانمي ربيعة جلطي ،ياسمينة صالح وفضيلة الفاروق ...                                           

ضروب كثيرة عرفها الأدب الجزائري فأول أديبة جزائرية زليخة السعودي "أمال" الّتي تنوعت كتاباتها فترامى يراعها بين الكتابة تارة والمسرح والمقال والقصة القصيرة تارة أخرى أحبت الوطن فكتبت "ذاكرة الأدب الجزائري" وأيضًا مجموعة قصصية "أحلام الرّبيع" .           

 يقول عبد الحميد شكيل :"في الوقت الذي كان الصّوت النسائي في ميدان الكتابة الأدبية والفنية يكاد يكون معدوما في هذه الأثناء برزت زليخة السعودي كأقوى ما تكون الأصوات الأدبية الأصيلة تحمل في نفسها الشاعرية الطيبة بوادر الوعي الثوري مؤمنة بضرورة تغيير العلاقات الجدلية الّتي تسود المجتمع الجزائري،لقد بدأت الكتابة في أواخر الخمسينات واستطاعت أن تبني لنفسها شخصية أدبية ذات ملامح فنية خاصة" لترحلت في عمر زهور الربيع وتترك الباب مفتوح أمام الكتابات النّسوية للإبداع الأدبي .                                               

كان المخاض عسيرًا ولكنه حمل معه  ولادة أول رواية نسائية جزائرية للكاتبة زهور ونيسي "من يوميات مدرسة حرة" فتعدد نتاجها الأدبي ليشمل القصة والمقالة الأدبية والرّواية فكانت أعمالها قرينة العمل الثّوري السياسي فأبدعت في "قصة الرّصيف النائم" ،"على الشاطئ الآخر" ،"عجائر القمر" "لونجا والغول" .إنها سعيدة بحرفها الذي عشقته وقد جعلته مجدافها الذي لا يخطئ طريقه وامتدادها في الأفق البعيد الموغل في حضارة هي قاعدة إقلاع الحضارة الإنسانية المعاصرة إنه اختيارها الواعي رفضت أن تكون ذائبة في لغة المحتل .                       

لم يتوقف الإبداع النّسائي الأدبي ولكنه واصل المسير فلمع نجم في سماء الإبداع الرّوائية أحلام مستغانمي مصرحة أنه عندما نخسر حبًا يكتب المرء الشّعر ،وعندما نخسر وطنًا نكتب روايات ،فأبدعت في رواية "ذاكرة الجسد" فكان خالد بطلها الذي ناضل لأجل الوطن لكن كسره الزّمن وجرحه الحب وخذلته الآمال فنالت هذه الرّواية شهرة عربية وعالمية فحتى نزار قباني كانت شهادته مجروحة فيها :"روايتها دوختني وأنا نادرًا ما أدوخ أمام رواية من الرّوايات وسبب الدّوخة أن النّص الّذي قرأته يشبهني إلى درجة التّطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون مثلي ولو أن طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرّواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشّعر لما ترددت لحظة واحدة" .ثم فوضى الحواس الّتي تعتبر تتمة لرواية ذاكرة الجسد ،ومجموعة شعرية "كتابة لحظة عري" ،رواية "عابر سرير" ،كتاب "نسيان كم" ،ورواية "الأسود يليق بك" وهي من أبرز الرّوايات التي خصت بالنّفس البشرية وأحلامها .                                                                                 

واستمرت الكتابات الأدبية فتألقت الكثير من هن فسطعت شمس الشّاعرة والرّوائية ربيعة جلطي فتربعت على عرش مملكة الكتابة فنشرت مجموعات شعرية "تضاريس لوجه غير باريسي" ،"النبية" ودواوين شعرية وروايات "الذروة" ،"نادي الصنوبر" ،"عرش معشق" ،"حنين بالنعناع" ،"قوارير شارع جميلة بوحيرد" فتحدثت الأنثى عن عالمها النسائي وأصبحت الرواية الجزائرية تعبيرا فنيا خالصا ذاتيا شكلا ومضموناً .                                                   

ومن قلب جبال الأوراس عاليا ،نزف قلم الروائية فضيلة الفاروق باكيًا ،وصرخ ألمها شاكيًا ،وذرف دمعًا مناجيًا عن قصة حبٍ ترويها ،حكاية امرأة عربية جزائرية تحدت حدود الواقع وضوابط المجتمع فكتبت عن حرية المرأة بكل جرأة ،فأن تصطلح المرأة بنشر كتاباتها والتحدث عن نفسها هو خرق المحظور كانت كتابتها قدر :"حاولت أن أهرب منه فلم أتمكن منذ ذلك أقسمت أكثر من مرة أن أتوقف ،وأهتم بأموري الخاصة وعائلتي ولكن لا فائدة هناك دوما شيئا يدفعنني للكتابة حتى أني لا أتقن الكلام جيدا ،وأحيانا أتمنى لو يتعامل معي الشخص كتابة بدل التحاور مباشرة ما لم أتوقعه هو أن الكتابة مهنة الفقراء ،وأن الواحد منا بمجرد امتطائها سيجد رأسه تحت المقصلة فالكاتب مرفوض في مجتمعاتنا بشكل مخيف ،وإن كان صادقا يرفض أكثر لأننا تربينا منذ نعومة أظافرنا على الكذب والنفاق والتملق قول الحقيقة يبدو دوما جارحا حتى بالنسبة للذين تدافع عنهم .ما حدث تماما معي بدأت بكتابة مواضيع إنشاء لأصدقائي في المدرسة للتسلية ثم جذبتني الجرائد لأن شيئا عالقا في رأسي دوما أريد قوله فكتبت ثم وجدتني صحفية ثم وجدتني كاتبة قصة ،ثم وجدتني منبوذة ومرفوضة في الوطن ،ثم حين حملت حقيبتي واخترت المنفى لكن الوقت تأخر حين أدركت أن الكتابة لعبة خطيرة كالذي يعبث بقنبلة .تناولت الكاتبة فضيلة الفاروق قضية اغتصاب النساء في المجتمع العربي بصفة عامة والمجتمع الجزائري بصفة خاصة أثناء العشرية السوداء التي مرت بالجزائر سنوات التسعينات من القرن الماضي حيث تميزت هذه الرواية بجرأة لم يعتد عليها في الوطن العربي حيث كسرت فضيلة الفاروق كل الطابوهات المسكوت عنها في المجتمع العربي أن الخجل جعل قيود على المرأة العربية في كل مكان وزمان لا لشيء سوى أنها امرأة عربية .                        

   "فكل شيء عني كان تاءً للخجل ،كل شيء عنهن تاءٌ للخجل ...."           

تقول زهور الونيسي :"لقد كتبت قبلك يا فضيلة بخوف تكتبين أنت بحرية لا يغيب عنها الخوف أكتب بأسلوب جيل وتكتبين بجيل آخر عن هموم لا تزال واحدة و أهداف لا أراها قريبة أبدا رغم العمر الذي يفصل بين كتابة وكتابة فهل نحن الذين لا نتحرك ؟أم الميلاد الجديد؟. أما في رواية "مزاج مراهقة" ففضيلة تروي أحداثا واضحة مرت في حياتها عن طريق استحضار الماضي المؤلم ،وأن في رواية اكتشاف الشهوة "لا يمكن للمرأة أن تعترف بأنها تحب زوجها .      فالتجربة الإبداعية الأدبية النسائية الجزائرية تجربة متأخرة زمنيًا خالصة روحيًا كتبن فأبدعن بأقلامهن التي نبضت بوعيهن الثوري وكغيرها اعتبرت كردة فعل عن سيطرة الهيمنة والسّلطة الذّكورية فخصوصية أدب المرأة ليست خصوصية فنية بحتة بل صادرة عن وعي محدد لدى الراوية التي تنتمي بطبيعتها وبالضرورة لفئة اجتماعية تحكي صراعاتها الداخلية وتحولاتها الاجتماعية .                                                                               

المراجع :   

   فضيلة الفاروق ،لحظة اختلاس الحب ،دار الفارابي ،بيروت ،ط1 ،1997 .   

 هدى درويش ،مقال الكاتبة الكبيرة "فضيلة الفاروق" :الكتابة بالنسبة لي قدر ،صحيفة الروز اليوسف ،21 أوت 2016 .                                                         

سماح عادل :كتبت الثورة مثلما ناضلت "زهور ونيسي" ،كتابات .            

مقال ،40 سنة على رحيل صاحبة "أحلام الربيع" زليخة السعودي ،صحيفة النصر،2012.               

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة