27 Apr
27Apr

حديث الإثنين: الفلسفة التطبيقية، الحلقة الأولى

فيروس Covid19  و التأسيس لاتيقا الحياة

الأستاذ بن زينب الشريف

أستاذ بجامعة المدية، باحث  بقسم الفلسفة، جامعة وهران2 محمد بن احمد

مخبر الأنساق، البنيات، النماذج والممارسات


     في الوقت الذي كانت فيه البشرية تبحث عن إمكانية الاستيطان بكواكب أخرى، والبحث عن مجرات قد تساعد على الحياة، و العمل على استنساخ البشر. ها هي الجائحة Covid 19 تهاجمنا مذكرتنا أننا لسنا وحدنا، بل نحن مجرد كائنات تزاحم غيرها، ومحاولة السيطرة وإخضاعها.

     فيروس فرض على غالبية سكان الأرض، المكوث في منازلهم، وانتظار الإحصائيات اليومية لضحاياه من خلف شاشات هواتفهم أو التلفزيون، مكوث بسبب قرارات الحجر الصحي، التي تهدف إلى الحد من انتشار الفيروس المستجد، فيروس لا يفرق بين منظومة صحية متطورة و أخرى متخلفة، أو بين دول متقدمة و دول العالم الثالث، فيروس لا تشم رائحته ولكن تستشعر الموت الذي يبثه فينا، والمشكلة أنه لا أحد  يستطيع تقديم تقييم للكارثة المحدقة بكل سكان العالم على جميع الأصعدة. فماهي الألية التي نحفظ بها حياتنا؟ وما هي التراتبية القيمية التي يؤسس لها Covid 19؟

    حجر صحي نهدف من خلاله المحافظة على الحياة. بحماية أنفسنا و الأخرين، وهذا باتباع منظومة صحية بدأ من النظافة والتباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات... و كأن الفيروس يفرض علينا إعادة تقييم تراتبية القيم الاجتماعية مع الآخر و مع ذواتنا، فيروس يعيد لقيم الحياة انطلاقا من قيم الجسد وعلاقته بالأخر، بل ويرسم حدود حياتي تنتهي عند حدود جسدك.

الجائحة التي أدخلتنا إلى بيوتنا مع هزة نفسية كبيرة عند مغادرة الحجر ولو للضرورة، فنحن في تعاملنا مع الآخر وفق التباعد الاجتماعي، وكأننا نحدد مسافة الأمان الحياتي، فكل اقتراب من الأخر هو تهديد لوجودي، بعدما كان التقارب الاجتماعي والنظر إلى الآخر مصدر سعادتنا، أصبحنا نتعامل وفق مبدأ الكل يهدد الكل، فلا تعلم أين الخطر. أو الانتقال من العيش معا و العيش المشترك إلى فردانية العيش من خلال مسافة الأمان الاجتماعي.

    الحياة في عصر Covid 19 أصبحت مرهونة بالحفاظ على هذا الجسد، من خلال نظافته، وحمايته. وكأن الفيروس المجهري يقدم لنا رهان الحياة من خلال ايتيقا الجسد من نظافة اليدين وحماية الجهاز التنفسي من عدوى الآجر، والتأسيس لمسافة الأمان الاجتماعي. وكأن الفيروس يشير إلى أن قيم النظافة التي إلى وقت قريب اعتقدنا أنها روتينية، ظهرت أننا لم نقف بعد على حقيقتها، هذا الجسد الذي كان ينظر إليه على أنه آلة التي صنعها الله ، فكانت أكثر الآلات تنظيما وتناسقا في حركاتها، ها هو Covid19 يعيدنا إلى ذواتنا والتفكير في ثنائية الموت والحياة وعلاقتها بالآخر. فالحفاظ على الجسد وحمايته هو رهان استمرا الحياة، وحفاظ على حياة الآخر. هذا الآخر الذي أصبح بقاؤه من خلال بقائي وفق التباعد الاجتماعي.

   فيروس كرونا المستجد وكأنه يفرض علينا إعادة طرح الأسئلة الجوهرية، من الحكمة النظرية إلى الحكمة العملية، من كيف أفكر؟ وما حدود تفكيري؟ إلى ماذا يجب أن أعمل ؟ و كيف نتصرف ؟

ولكن الأمر الذي لا يجب أن نغفل عنه، وهو أن المحافظة على الجسد من خلال هذه الآلية الاجتماعية في التباعد والحجر الصحي لن تكون بمعزل عن الصحة النفسية بقدر ما يكون الفيروس الخطر الأول بقدر ما تكون الوسوسة منه أكبر ميكانيزم فعال في تدمير هذا الجسد، فحياة الانسان مرهونة بسلامة جسده ونفسه على حد سواء. هذا هو كوفيد المتسلل الخفي.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة