04 Jun
04Jun

عمالة الاطفال في الجزائر

د.هاشم امال

قسم الديموغرافيا - جامعة وهران-2-


مقدمة:

     يتزايد الاهتمام الدولي بوضع القوانين، وابرام الاتفاقيات التي تتكفل بالطفل وحقوقه، حتى يعيش حياة سليمة، وكريمة جسديا ونفسيا، وخالية من كل المشاكل. ومن اهم مشاكل الطفولة انتشارا في السنوات الاخيرة نجد مشكل عمالة الاطفال. فحسب احصائيات منظمة اليونيسيف (2018) ان هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح اعمارهم بين 5 و14 سنة في البلدان النامية، يعمل منهم حوالي 16%. وتشير منظمة العمل الدولية الى وجود 215 مليون طفل دون سن 18 عاما يشتغلون، منهم 73 مليون يقومون بأعمال شاقة وخطيرة، حيث يعمل كثير منهم بدوام كامل في جميع انحاء العالم. وفي قارة افريقيا تعتبر الوضعية اكثر تأزما، بما ان من بين كل ثلاثة اطفال بين 5 و14 سنة هناك طفل واحد يعمل.

وتعرف عمالة الاطفال على انها ذلك العمل الذي يقوم به الفرد في سن مبكرة بشكل غير رسمي وغير قانوني. وهي تعتبر احدى اشكال النشاط الاقتصادي الذي يمارسه الطفل والذي يؤثر سلبا على نموه النفسي والجسدي والاجتماعي بما ان هذا العمل يحتم على الطفل البقاء تحت ظروف صعبة وقاسية ساعات طويلة.  ويتسبب في حرمانه  من ابسط حقوقه الطبيعية في الحياة مثل اللعب و الدراسة والراحة و التمتع بالطفولة الا ان الوضعية او الواقع يشير الى عكس ذلك.

 وعلى غرار باقي دول العالم، خطت الجزائر خطوات كبيرة في مجال تعزيز حقوق الاطفال. فقد صادقت الجزائر على 60 اتفاقية دولية خاصة بحقوق الطفل وتحافظ على التعاون المثالي مع المنظمة العالمية للعمل، والالتزام بالأهداف الانمائية للألفية ثم اهداف التنمية المستدامة لعام 2030، كلها معايير والتي من المرجح ان توجه تحديد الاوليات الوطنية في مجال التنمية وسياسة النهوض بالأطفال.

وفي هذا، سنحاول معرفة واقع عمالة الأطفال في الجزائر وخصائصهم.

عمالة الأطفال في الجزائر: حسب المصادر الرسمية تقدر عمالة الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين 5 الى 14 سنة ويشتغلون ﺑ4 % فقط في 2018 (وزارة العمل والضمان الاجتماعي). الا ان مصادر غير رسمية، كجمعيات حماية الطفولة تصرح بنسبة أكبر بكثير بما ان المجتمع الجزائري يشهد ارتفاعا كبيرا لعمالة الاطفال في السنوات الاخيرة.

  فالأرقام الرسمية لا تأخذ بعين الاعتبار فئة الاطفال الذين ينشطون في البيئات غير الرسمية مثل الشوارع والاسواق الفوضوية. فحسب الدكتور مصطفى خياطي "ان الاحصائيات الفعلية حول عمالة الاطفال على المستوى الوطني تتطلب بالضرورة التنسيق مع جميع فئات المجتمع المدني، بما ان المعدل 4% الذي تصرح به الوزارة لا يعكس الوضع الحقيق لهذه الظاهرة" (خياطي، 2018).

    إن عمالة الاطفال في الجزائر هي بالتأكيد ظاهرة نسبية، لكنها ليست جديدة. فإلى جانب بائعي أوراق "ديول" خلال شهر رمضان والخبز في الطرقات، هناك مجموعة منهم تعمل على مدار السنة لمساعدة اسرهم مالياً.  وإذا كان العمل في حد ذاته ضرورة وشكلًا من أشكال تحقيق الإنسان لذاته، فإن عمل الأطفال يعد انتهاكًا لأبسط حقوقهم؛ فعمالة الأطفال هي إهانة لكرامة الإنسان.

 خصائص الأطفال المشتعلين في الجزائر

- حسب السن والجنس: تتراوح اعمار الاطفال النشيطين ما بين 5 و11 سنة. حيث الذكور هم أكثر عددا من الإناث بسبب طبيعتهم

- حسب مكان الاقامة: يعمل الأطفال في الريف كما في الحضر ولا اختلاف بين المنطقتين

- حسب وجود الوالدين او أحدهما على قيد الحياة: ان غياب او عدم وجود الوالدين او أحدهما ليس سببا رئيسيا في عمالة الاطفال، فما يقارب 97 % من الاطفال المشتغلين اوليائهم على قيد الحياة. وهذا ما يؤكد على ان هناك دوافع اخرى مثل الحاجة المادية للأسرة لذهاب الاطفال الى العمل.

- حسب نوعية مجال العمل: من خلال الدراسة الاستقصائية التي قامت بها الشبكة الوطنية للدفاع عن حقوق الطفل ما بين 2017 و 2018 والتي  شملت  5 ولايات هي: الجزائر العاصمة – سطيف – تبازة – تيزي وزو و برج بوعريريج تبين ان 70% من الاطفال الذين يتم استغلالهم اقتصاديا في السوق الموازية يمارسون نشاطا تجاريا كبائعين للخضروات و الخبز و السجائر، و ان 19% يمارسون نشاطا يتعلق بمجال البناء و 10 % في مجال الزراعية.

- حسب المستوى التعليمي للوالدين: معظم الاطفال الذين يشتغلون، يتسم اوليائهم بمستوى تعليمي متدني. فكلما ارتفع المستوى التعليمي للوالدين تراجعت نسبة عمالة الاطفال بالنسبة للجنسين وذلك لوعي الوالدين بمخاطر وسلبيات هذه الظاهرة.

- حسب المستوى المعيشي للأسرة: حسب البنك الدولي حيثما يسود الفقر واللامساواة تنتشر الظواهر الاجتماعية مثل عمالة الاطفال. وهذا ما اكده كل من المسح العنقودي الرابع والدراسة التي قام بها الباحث كمال بوشرف والمنظمة الوطنية لحماية حقوق الطفل. فتبين ان ثلثي الاطفال المشتغلون ينتمون الى الاسر الفقيرة، خاصة وان الجزائر تحصي تقريبا1.3 مليون أسرة تعيش تحت خط الفقر (LADDH). هذا ما يشير الى ان افراد الاسرة يشاركون معا لسد الحاجيات اليومية للأسرة وتحسين دخلها.   ولكن وجد أيضا ان 25 % من هؤلاء الاطفال ينتمون الى الاسر الغنية.

-حسب العمل داخل او خارج الاسرة: اظهرالمسح العنقودي ان هناك نوعين من عمل الاطفال داخل وخارج الاسرة. فهناك 810 طفل يعملون لدى اسرهم منهم 64,19% ذكور، والبقية اي 192 يعملون خارج اسرهم. كما نجد ان 41,5 % من الاطفال المنتمون للأسر الفقيرة يشتغلون خارج اسرهم. كما بينت نتائج المسح ان الذكور يعملون خارج اسرهم أكثر من الإناث.

- حسب تمدرس الاطفال والعمل: لا يمنع التمدرس من عمل الطفل، فحسب المسح العنقودي والدراسة الاستقصائية التي قامت بها المنظمة الوطنية لحماية الطفل، ان هناك تقريبا 95 % من الاطفال المشتغلون هم متمدرسون، مما يشير الى ان نسبة غير المتمدرسين تقدر فقط ﺑ5 % بما ان القانون الجزائري يجبر بقاء الاطفال في المدارس الى غاية سن 16 سنة.

 - مساندة الاولياء لعمل الاطفال:  ما يثير الانتباه هو مساندة الاولياء لأطفالهم وحثهم على العمل في سن مبكرة، رغم ادراكهم للأخطار العديدة التي يعيشها هؤلاء الأطفال في هذه البيئات المخصصة للبالغين. حيث يعتقد العديد من الآباء أن خروج أطفالهم الى سوق العمل في سن مبكرة، من خلال أداء المهام التي يعتبرونها "بسيطة"، يساهم في إثراء الطفل و تنميته تحت شعار" دعه يصبح رجلاً" بمعنى ."Khellih yewelli rajel ".

خلاصة:

يعتبر الطفل اساس كل مجتمع، فمع تدهور الاوضاع الاقتصادية للبلد منذ بداية التسعينات وارتفاع بالتالي نسبة الاسر الفقيرة، نشهد انتشارا لعمالة الاطفال. فنجد ان الاسر تحث ابنائها ذكورا وإناثا على العمل في سن مبكرة، ليساهموا في مصاريف الاسرة وليتكفلوا بمصاريفهم الشخصية منذ سن مبكرة، مهملين مخاطر هذا العمل على التكوين النفسي والاجتماعي للطفل، اضافة الى خطر هذه البيئة على الطفل مثل التدخين والادمان على المخدرات، سوء المعاملة والاغتصاب وجميع أشكال الاعتداء.

ولذا يجب محاربة هذه الظاهرة، وهده من مسؤولية كل من المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني والجمعيات و المواطنين ويكون ذلك عن طريق التذكير بالنصوص القانونية والتشريعية فيما يتعلق بحماية الطفل من الاستغلال و ضد الاستغلال في العمل و توعية ارباب الاسر و الاطفال بمخاطر هذه الظاهرة.


المراجع:


1- Causes et conséquences du travail des enfants dans le monde (2019) , www.plan-international.fr

2-MSPRH (2015). Enquête national à indicateurs multiples MICS4 2012-2013

3- Kamel Boucherf (2005 ). Le travail des enfants en Algérie : entre stigmate de la pauvreté et stratégies familiales , Ed. CREAD , Algérie

4- Pr Mustapha KHIATI ( 2 Juin 2020 ) . «300 000 enfants travaillent en Algérie et 200 000 autres quittent l’école chaque année», in COURRIER D’ALGÉRIE.http://lecourrier-dalgerie.com/le-pr-mustapha-khiati-president-de-la-forem-au-courrier-dalgerie-300-000-enfants-travaillent-en-algerie-et-200-000-autres-quittent-lecole-chaque-annee/

5- Organisation internationale du travail : Qu'est-ce le travail des enfants? (IPEC)

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة