24 Jun
24Jun


 الصراعات الهوياتية داخل الواقع الجزائري.

- قراءة في تصورات الزاوي الحسين-


أ.د/ العربي ميلود، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة مستغانم

مخبر الانساق، البنيات، النماذج والممارسات. جامعة وهران2.


 

   اخترت في ورقتي هذه كتاب للأستاذ الزاوي الحسين موسوم ب: " الشك ومكامن الغل في فلسفة المشهد الجزائري".  بغية عرض السؤال الأبرز هذه الأيام في المشهد الجزائري ألا وهو سؤال الهوية بتجاذباته التاريخية، العرقية والجهوية، مما قد يجعل من وطننا فضاء لنزاعات خطيرة تهدد كيانه ووحدته، سواء على مستوى الانتماء أو اللسان أو التفكك القبلي بين عربي وأمازيغي وشاوي وترقي..وغيره من الهويات التي طالما ظننا أنها تلاشت ضمن إطار جامع ألا وهو الدين واللغة والمصير المشترك.  

يبرز جليا من عنوان النص المختار للعرض أن للمشهد الجزائري فلسفته الخاصة مرتبطة بالرهانات التي يقف عليها المجتمع، والتي تتطلب -كما يطرح الأستاذ الزاوي في كتابه هذا- أن يتم معالجتها وفهمها بالطرق العلمية والفلسفية بعيدا عن السجالات السياسية والفكرية العقيمة.

 تناول المؤلف أهم الإشكالات التي تصادف الواقع الجزائري، ولعل أهمها وأكثرها حضورا إشكالية الهوية بالمعنى الخاص وإشكالية الأنا والآخر بمعناها العام والشمولي. فالمجتمع الجزائري يعاني حالة من الاغتراب يمكن مواجهتها بالمراهنة على الفلسفة لما تحتويه من مناهج ومضامين كفيلة بإحداث نوع من الخلخلة داخل هذا الإشكال الاجتماعي والمعرفي.

إذ يؤكد الأستاذ الزاوي حسين على مسألة الوعي التاريخي في فهم الذات ببعدها الهوياتي، ويحذر من مغبة الأدلجة، التي تشكل تربة خصبة لأدلجة الشعارات والبرامج السياسية، متخذة من الهوية المجال الأنسب لإنجاح مثل هذه المشاريع، فمن خلال هذا الكتاب سيسعى المؤلف إلى توضيح طبيعة الأزمة التي يعاني منها المجتمع الجزائري وما أفرزه من قيم مصطنعة ذات طابع ثنائي تعمل بمنطق " إما.. أو"، ما تمخض عنها ثنائيات عدة متصارعة عقائديا وأيديولوجيا، الرجل والمرأة، الدين والدولة، القانون الوضعي والشريعة الإسلامية...إلخ.

هذه الثنائيات المفتعلة يراها المؤلف على أنها تحمل صراعا مزيفا، لأنها تفتقد لمقاربة هوياتية قائمة على المعرفة التاريخية والبعد التأملي الفلسفي.

لذا نجد الأستاذ الزاوي يحاول أن يشخص واقع الشك ومكامن الغل داخل الواقع الجزائري، من أدلجة فكرية وصراعات هوياتية، وغموض يكتنف طبيعة هذه السجالات، فنجده يضع هذه الأزمات تحت المجهر ويعرض للمنهاج الفكري الأنسب لتجاوز هذه الأزمة الهوياتية، ألا وهي الفلسفة القادرة على تبيان مواطن الضعف والتشعب، وتقديم المصوغات اللازمة لتجاوز هذه المشكلات المزيفة والمصطنعة. فالسبب الرئيس وراء تنامي هذه الأزمات هو في "ضعف المرجعيات الفكرية المحلية والوطنية، ما أسهم بشكل تدريجي في بروز وتنامي ما يسمى بإشكالية الهوية"[1] . 

 

    إن الغاية من طرح سؤال الهوية في المجتمع الجزائري لا يقتصر على تشخيص النزعة الذاتية أو الفردانية لكل منطقة تمتلك إرثا ثقافيا وتاريخيا خاصا، ولها لسان تواصلي فيما بينهم يحدد طبيعة العلاقات الاجتماعية القائمة. لكنه بالمقابل يُسّيد الأنماط الهوياتية القائمة على انغلاقية مفرطة للأنا على نفسها ويفتت اللحمة الاجتماعية الجامعة لمكونات المجتمع، لذا فالمطلوب هو إحداث قطيعة مع الأفكار والنعرات القبلية، والانخراط كليا ضمن الشخصية الجماعية التي تعد لب وحقيقة المجتمع الجزائري بكل تنوعاته.

 

وبهذا ستبنى الهوية الجزائرية على مبدأ التشارك في هذا الوطن، أين تتحول فكرة العيش من أجل الآخرين إلى واجب يوفر أفضل السبل والوسائل لتنمية التلاحم الاجتماعي ضمن الشخصية الجماعية، وأن تسلم كل فئة اجتماعية تبعا لذلك بمبدأ الإختلاف والتنوع، لأن الهويات المحلية لا مكان لها في النسيج الاجتماعي الكلي إلا من خلال فكرة التعايش مع الآخرين في ظل نظام اجتماعي يحدد الحقوق والواجبات، وأعتقد جازما أن هذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال فكرة العيش معا كجزائريين لا غير.

 


 

-------------------------

- الزاوي الحسين، الشك ومكامن الغل في فلسفة المشهد الجزائري، رياض العلوم للنشر والتوزيع الجزائر، ط1، 2005، ص 38[1]


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة