05 Jul
05Jul


قماقم الشهداء في أرض الشرفاء

الأستاذة بن عودة أمينة، جامعة معسكر


رفات شهداء المقاومة الجزائرية


...وتعود قماقم أبطال المقاومة الشعبية إلى الأرض التي ذادوا عنها بأرواحهم ففُصلوا عنها أحياءً وأمواتا، أجسادا وأرواحا. بقيت الأجساد هاهنا ولكنها منفية في المجهول، رغم ذلك بقيت في مكان ما في تربيتها التي أنبتتها، فأخصبت عطاءها بدمائها. وأُبعدت الرؤوس بعد إعدامها لتعيش غربة ومنفًا من نوع آخر، حياة دون موت ودون حياة، جماد يكاد ينطق ولا يمكنه التحرك، سلب للروح. نفيت الجماجم وها هي اليوم تعود قماقمًا...

لا أقول جماجم الشهداء، بل أقول قماقم اعتلتها يوما ما عمائم العز والشرف والعنفوان، أبت عيش الذّل والمسكنة والهوان. إن كانوا قد عادوا اليوم أسيادا ببقايا رأس دون جسد، فإنهم بإذن خالقهم أحياء عند ربهم يرزقون بمدد غير مقطوع ولا ممنوع، ولنا نحن في الأزمان بهم أمجادا.

فعجبا لمن يتغنّى بحضارة العدل والأخوّة ويُفتتّن بدعاوي المساواة وحقوق الإنسان، ومع ذلك، ورغم ذلك، ما يزال يتبجّح ويتفاخر خيّلاءً بثقافة جلّاده، ويخجل بعراقة وأصالة بلاده !.

أبناء الثورة الفرنسية يغتصبون الأرض والعرض ويقولون إنها بالضرورة ضريبة تعليم الشعوب الحرية. يستوطنون أوطانا ادّعوا أنها بغير شعوب، إذ للشعوب مراتب ومقامات لا تمت بصلة للآدمية عندهم، استوطنوا بذريعة التعمير، ألا إنه الاستنزاف والتدمير..

ألم تكونوا مدينين وكنا نحن الدياّن؟، ألم تكونوا مهانين، وكنا نحن في قوة وعزة منعمين؟

إنه حقا الكيل بمكاييل لا بمكيالين..أي حضارة لشعب يتلذّذ بل ويتفنّن في أساليب التعذيب و التنكيل؟ عجبا.. يفصلون الرؤوس عن الأجساد وهم الذين كانوا يحتقرون ذاك الفعل عند غيرهم، ليرموا الأجساد في غياهب المجهول ويحملون الرؤوس، هؤلاء الرومنسيون والعاطفيون والنبلاء الراقيون الإنسانيون، يحملون رؤوسا مقطوعة مخضبة بالدماء، برا أو بحرا وجوا ويحنطونها لتبقى ملامحها وتخلد ملاحمهم..

أحقا تلك ملاحم وبطولات يجب تمجيدها وتخليدها وإتحاف المتاحف بها، لتتوارثها قيم أجيالهم فيتفاخرون بأمجاد قدمائهم وعظمائهم؟

حضارة الغرب، حضارة الرقي والتسامح والتقدم وحقوق الإنسان تُتحف متاحفها برؤوس رجال قاوموها ليفدوا بلدانهم ويحرّروا أراضيهم ويحافظوا على عزهم وعزّ أبنائهم، تلك هي جرائمهم أم جرائمنا؟ جريمة المحتل المعتل ذو قيم عقل مختل، أم جريمة صاحب الحق الذي إن عظم جرمه في سبيل وطنه صغُر ودقّ وإن استنصره مستنصر حنّ قلبه له ورق؟           

ماذا لو كانت تلك الجماجم لمجرمين فرنسيين عوقبوا بمقتضى وتحت طائلة القانون الردعي، هل كانوا ليقطعوا رؤوسهم؟ هل كانوا ليحنطوها لعوائلهم أو أبنائهم؟ أو يؤرخوها في ملفات سجلاتهم لتشهد على بطولاتهم؟ هل كانوا ليحتفظوا بها في ذاكرتهم ويُعلموا بها ويكشفوها لأطفالهم فيخلدوا أسماء أبطالهم؟..طبعا لا

تلك القوانين ليست لكل إنسان إنها لإنسانهم وفاقد الشيء غالبا لا ولن يعطيه، فلا تنتظر الشرف من غير الشرفاء الأشراف واسأل الألمان فعندهم خبر اليقين، ولا تطلب الخير من غير الأخيار ولا تحكم على ثقافة ما لمجرد ما تراه الأعيان، فما في الأعيان سيتراءى في لحظة من لحظات الخذلان والنقصان، ولا علاقة لما حدث ويحدث بشجاعة الشجعان، واسأل إن شئت أيضا جنود الأفريكان وأبناء الأندوجان، وللتاريخ سجلات كثيرة تُخبر بما فعل هنا وهناك نبلاء الإنسان ...فعلِّق حكمك إلى أحايين.. 

د.بن عوردة أمنية



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة