04 May
04May

التعليم عن بعد زمن الكورونا

بقلم الأستاذ بن زينب الشريف

أستاذ بجامعة المدية، باحث بجامعة وهران2

مخبر الأنساق،البنيات، النماذج والممارسات


تزامنا مع انتشار جائحة كورونا، عمدت منظمة اليونيسكو إلى نشر كراسة إرشادية ليستأنس بها الأولياء على مواصلة تعليم الأبناء داخل الحجر الصحي، مع تقديم الدعم وفق نصائح تكون عونا لهم في مواصلة هذه العملية التعليمية داخل البيت. فبقاء الأطفال داخل الحجر لا يعني الانقطاع عن الدراسة، بل ضمان الاستمرارية لهم، ليكن الأولياء هم المعلمين الذين يواصلون مهمة تعليمهم، يعتبر الأولياء هم بمثابة المعلم الأول، بل و الأكثر أهمية في هذا الظرف. لقد أصبح العالم مختزلا في البيت. البيت مركز العالم، إنه الملاذ الأخير للإنسان ،أصبح المأوى و المسجد و المدرسة و المتنزه.

     تحتوي الكراسة الإرشادية على نصائح خاصة بتعليم الأطفال بالمنازل وهي: وضع خطة يومية ليتمكن الأطفال من التعلم، التواصل مع المدرسة، دعم تعلم أطفالكم، إشراك أطفالكم ( بشكل نشط) و تفاعلوا معهم، استخدام طرائق تعلم مختلفة،و تحت كل نصيحة من هذه النصائح مجموعة من النصائح الفرعية، خطة نظريا كفيلة بضمان الاستمرارية للعملية التعليمية، ولكن هل المنظمة العالمية وضعت الخطة مراعاة للواقع التعليمي في جميع أنحاء العالم؟ أم مجرد مواكبة مهرجانية لواقع الحال؟

     لم تشذ وزارتي التعليم العالي والتربية الوطنية في الجزائر عن هذه المواكبة وهذا باقتراح بدائل لمواجهة هذه الجائحة بتقديم الدروس والمحاضرات عبر منصات تعليمية تكفل مواصلة البرامج التعليمة والسهر على اتمامها لتتيح للطالب والمتعلم البقاء على اتصال بواقعه التعليمي ولو عن بعد. نعم، مبادرة تستحق التنويه والتشجيع، ولكن واقع الحال يختلف عن واقع المأمول. لا يختلف اثنان كون هذه الجائحة عرت عن تلك الفجوة المعلوماتية التي تعاني منها المدرسة الجزائرية، وإن بدأت مؤخرا تحاول تدارك هذا التأخر التكنولوجي. لم يكن المجتمع الجزائري ليستفيق من صدمة الجائحة وخطرها الصحي حتى يصطدم بصدمة تربوية أدخلته في دوامة القلق على مصير المتعلمين في جميع الأطوار، فالجائحة عولمت الخوف على جميع الأصعدة.

وفي ظل هذه المستجدات، يجب تطوير منظومة التعليم الجزائري وتقليص الفجوات الرقمية، ودمج مشاريع التطوير التكنولوجي في مسيرة التعليم منذ المرحلة الابتدائية، على اعتبار أن التكنولوجيا باتت جزءا لا يتجزأ من مختلف مناحي الحياة التي ما عادت تقليدية وتشهد ديناميكية غير مسبوقة.

    أعظم السحر أن تبقي الطالب مشدودا إلى محاضرتك دون أن يشرد بعيدا، ولكن الدراسات أثبتت أن الطالب لا يستطيع الانتباه والمتابعة أكثر من عشرين دقيقة على الأكثر فكيف نستطيع إبقاء الطالب متابعا ومستوعبا للدروس بدون بحضور المعلم؟ أو أن التعليم عن بعد فقط من أجل إقامة الحجة على المتعلمين أمام الأولياء؟ هذا من يتلك أجهزة تكنولوجية ولنكن واقعيين هناك من لا يملك حتى جهاز تلفاز، و لكن الأسئلة التي تطرح نفسها كيف يمكن مراقبة متابعة المتعلمين لهذه الدروس؟ و كيف يمكننا تقييم هذه الدروس، هل من خلال عدد المشاهدات ؟ إذا افترضنا أنّ الأولياء سيقفون على متابعة أولادهم للدروس عبر هذه المنصات؟ ويفرضون عليهم متابعة الدروس عبر الشاشة، هل كل العائلات باستطاعتها توفير غرفة خاصة لمتابعة هذه الدروس ؟ وهل ستكون النتائج مرضية في غياب ذلك الجو التفاعلي بين الأستاذ والمتعلم داخل حجرات التدريس؟، ولا ننسى فالحجر تزامن مع شهر رمضان. فالفكرة واقعيا بعيدة عن تحقيق النتائج المرجوة منها، فهشاشة الوضع الاجتماعي لا تساعد على هكذا مبادرات.

     أخيرا يمكننا القول أن هذه الجائحة ستفرض منطقها على الحكومات العالمية من أجل ردم كل الفجوات التكنولوجية، والتأسيس لعهد جديد، من إنتاج للتقنيات التكنولوجية وتعميمها، وتكوين الأساتذة من أجل التحكم في هذه التكنولوجيات.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة